عاجل

الصناعة من استقلالية عبد الناصر إلى حلم الـ 100 ألف مصنعًا في عهد السيسي

المصانع المصرية
المصانع المصرية

على مدار سبعين عامًا، ظلّت الصناعة واحدة من أهم ركائز وأعمدة الاقتصاد المصري، تعكس في مسارها تقلبات السياسة، وتغيّر الرؤى الاقتصادية من عهد إلى آخر ومن رئيس إلى آخر، كلُ له سياسته ورشعاراته، فمن ثورة التصنيع الكبرى في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلى سياسة الانفتاح في عهد أنور السادات، ثم مرحلة الخصخصة في عهد حسني مبارك، وصولًا إلى الطفرة الصناعية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، كانت الصناعة دائمًا مرآة لطموحات الدولة ومحركًا لمحاولاتها في تحقيق النمو والاكتفاء الذاتي.

وفي هذا التقرير، تسلط "نيوز رووم" الضوء على ملامح تطور الصناعة في مصر منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم، من مصانع عبد الناصر التي وُلدت من رحم الحلم القومي بالاستقلال والاكتفاء الذاتي، إلى المشروعات الصناعية الحديثة في عهد السيسي التي تسعى لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للإنتاج والتصدير.

• حلم استقلالية عبد الناصر 

ففي إطار التوجهه نحو بناء اقتصاد وطني قوي، أنشأ عبد الناصر مئات المصانع في مختلف القطاعات، بدءًا من الصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب بحلوان، وصولًا إلى الصناعات التحويلية والغذائية، ومصانع الغزل والنسيج في المحلة وكفر الدوار، وقد ارتفع عدد المصانع الكبرى من نحو 1400 مصنع عام 1952 إلى أكثر من 3000 مصنع بحلول عام 1970، مما ساهم في خلق فرص عمل لمئات الآلاف من المصريين، وتعزيز الناتج المحلي.

ومصانع أنشئت في عهد عبد الناصر 

وكان من أهم المصانع في عهد عبد الناصر، شركة الحديد والصلب المصرية بحلوان، التي افتتحها عبد الناصر في 27 يوليو 1958، لتكون أحد أهم معاقل الصناعة الثقيلة في الشرق الأوسط، ولتخدم احتياجات الدولة من الحديد في مشروعات البنية التحتية الكبرى.

وفي عام 1960، شهدت مصر ميلاد شركة النصر لصناعة السيارات، أول شركة لصناعة وتجميع السيارات في العالم العربي والعالم الثالث، ما شكل نقلة نوعية في مجال النقل وصناعة السيارات.

كما افتتح عبد الناصر في 22 يوليو 1962 مصنع الطائرات بحلوان، الذي شهد إنتاج المقاتلة المصرية "القاهرة 300" ومحركها النفاث المحلي E300، ليضع مصر على خريطة الصناعات الجوية.

واستكمالًا لمسيرة التصنيع، تم إنشاء مجمع الألومنيوم بنجع حمادي في 23 يوليو 1969، ليصبح من أضخم المشروعات الصناعية في صعيد مصر، ورافدًا مهمًا في صناعة المعادن.

وفي 22 مارس 1956، تأسست شركة كيما للكيماويات بأسوان، كمصنع رائد في إنتاج الأسمدة والكيماويات، ساهم في دعم القطاع الزراعي المصري.

وشكّلت هذه المشروعات وغيرها جزءًا من منظومة متكاملة أسفرت عن إنشاء نحو 1200 مصنع خلال عقدين فقط، لتتحول مصر من دولة زراعية إلى قوة صناعية صاعدة في العالم الثالث، وتظل تلك المصانع شاهدة على إرادة سياسية اختارت طريق الإنتاج والتصنيع رغم التحديات..

ويرى خبراء أن مشروع عبد الناصر الصناعي، رغم التحديات، مثّل حقبة ذهبية في تاريخ الصناعة المصرية، حيث زرع البذرة الأولى لفكرة الاكتفاء الذاتي وتحقيق السيادة الاقتصادية وسط ظروف عالمية غاية الصعوبة في الوقت حينه.

• أنور السادات وسياسة الانفتاح

اما في عهد الرئيس الراحل، أنور السادات، وتحديدا في بداية السبعينيات، كانت مصر تمتلك ما بين 1200 إلى 1500 مصنع كبير ومتوسط مملوك للقطاع العام، خاصة في الصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب، الغزل والنسيج، الكيماويات، وغيرها.

خلال عهد السادات، لم يحدث توسع كبير في إنشاء مصانع قطاع عام جديدة بسبب التحول نحو سياسة الانفتاح، ولكن شهدت الفترة إنشاء عدد محدود من المصانع الخاصة والاستثمارات الأجنبية، خاصة في الصناعات الاستهلاكية مثل الأغذية، الأجهزة المنزلية، الكيماويات الخفيفة، لكنها كانت محدودة نسبيًا بسبب ضعف البنية التحتية، وتعقيد الإجراءات، وعدم الاستقرار الاقتصادي بعد حرب أكتوبر.

  • مبارك وسياسة الخصخصة 

وفي عهد الرئيس محمد حسني مبارك خلال الفترة ما بين 1981–2011 شهدت الصناعة المصرية تطورات متباينة، اتسمت بالتحول من سيطرة الدولة إلى دعم القطاع الخاص، حيث اتبعت الحكومة برنامجًا واسعًا للخصخصة شمل مئات من شركات ومصانع القطاع العام، وارتفع عدد المصانع المسجلة من نحو 2000 مصنع في أوائل الثمانينيات إلى أكثر من 25 ألف مصنع بحلول عام 2010، منها الآلاف في المدن والمناطق الصناعية الجديدة مثل العاشر من رمضان، 6 أكتوبر، بدر، السادات، وبرج العرب، وشهدت تلك الفترة تشجيعًا للاستثمار الصناعي الأجنبي والمحلي، خاصة في مجالات الملابس الجاهزة والأغذية والأدوية، غير أن الانتقادات طالت عمليات الخصخصة وسوء إدارتها، ما أدى إلى غلق العديد من المصانع والتوسع في الاستيراد.

  • السيسي وشعار الـ 100 ألف مصنعًا 


منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في 2014، شهد القطاع الصناعي في مصر طفرة غير مسبوقة على مستوى عدد المصانع والتوسع في البنية التحتية الصناعية والتكنولوجية، وتبنّت الدولة خطة طموحة لتحقيق التنمية الصناعية الشاملة، تضمنت إنشاء أكثر من 4382 مصنعًا جديدًا منذ يوليو 2024 فقط، مع خطة للوصول إلى 100 ألف مصنع بحلول عام 2030، كما تم تخصيص آلاف الأراضي الصناعية، وإصدار آلاف التراخيص والسجلات الصناعية عبر منصة "مصر الصناعية الرقمية".

وأطلقت الحكومة عدة مبادرات لدعم وتمويل المصانع المتعثرة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وخطوط الإنتاج، بإجمالي تمويلات تجاوزت 190 مليار جنيه، وارتفعت مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 14% في 2024، مع خطة للوصول إلى 20% بحلول 2030، وارتفعت الصادرات الصناعية إلى 34 مليار دولار من إجمالي 42 مليار دولار صادرات غير بترولية، وسط استهداف للوصول إلى 118 مليار دولار صادرات صناعية خلال السنوات المقبلة.
 

تم نسخ الرابط