عاجل

بعد تجدد الصراع .. حدود استخدام المياه بين الهند وباكستان

تجدد الصراع بين الهند
تجدد الصراع بين الهند وباكستان

تجدد النزاع بين الهند وباكستان في الفترة الأخيرة ليأخذ منحى تصعيديًا جديدًا عقب هجوم إرهابي استهدف منطقة سياحية في الجزء الخاضع للسيادة الهندية من كشمير، والذي أسفر عن سقوط عدد من الضحايا. وفي خطوة غير مسبوقة أعلنت حكومة نيودلهي تعليق العمل باتفاقية مياه نهر السند وروافده، ومع تصاعد التوترات بين البلدين برزت تحركات دبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي تهدف إلى التخفيف من حدة النزاع واحتواء التصعيد ومنع الدولتين من الانزلاق نحو حرب نووية قد تكون لها تداعيات كارثية على المنطقة والعالم بأسره.

 سياقات التصعيد

ووفقًا لدراسة أعدها مركز رع للدراسات الاستراتيجية، فقد شهد الشطر الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير في 22 أبريل الماضي مقتل حوالي 26 مدنيًا وإصابة 17 آخرين وذلك عقب سنوات قليلة من الهدوء النسبي، ولقد أعلنت “جبهة المقاومة في كشمير” (TRF) مسؤوليتها عن ذلك الهجوم. جدير بالذكر أن تلك الجبهة فرع من جماعة “لشكر طيبة” في باكستان وتأسست إلكترونيًا عام 2019 وذلك بعد إلغاء المادة 370 من الدستور التي تمنح كشمير الحكم الذاتي، وبعد قرابة ستة أشهر من التأسيس تحولت إلى جماعة فعلية تضم مقاتلين من جماعات مختلفة وصنفتها الهند كجماعة إرهابية عام 2023.

في أعقاب الهجوم اتخذت حكومة نيودلهي سلسلة من الإجراءات التصعيدية على نحو تخفيض عدد الدبلوماسيين الهنود في باكستان وطرد عدد من الدبلوماسيين الباكستانيين من نيودلهي بالإضافة إلى مطالبة إسلام آباد بالتحقيق في هذا الحادث. كما شهدت الحدود بين الدولتين تبادلًا لإطلاق النار، بالإضافة إلى قيام الهند بإغلاق المعبر البري الحدودي بين البلدين. وعلاوة على ذلك علقت الهند العمل بمعاهدة مياه نهر السند إحدى المعاهدات الرئيسية المتعلقة بتقاسم المياه. على الجانب الآخر فقد أصدرت الحكومة الباكستانية تحذيرات شديدة اللهجة أكدت فيها أنها لن تسمح لأي جهة بالتعدي على آمنها وسيادتها.

توظيف الورقة المائية

يعد الصراع على موارد نهر السند نزاعًا تاريخيًا وليس وليد اللحظة الراهنة؛ حيث مع تقسيم شبة القارة الهندية عام 1947 بين الهند وباكستان تم ترسيم الحدود بين الدولتين، ومنحت تلك الحدود نيودلهي (المنبع) السيطرة على السدود الواقعة أعالي النهر والتي تتحكم في تدفق المياه إلى إسلام آباد (المصب).وقد مثل ذلك مصدرًا للتوتر بين الدولتين حتى عام 1960 حين تم التوصل إلى اتفاق في 19 سبتمبر بتوقيع معاهدة مياه نهر السند برعاية البنك الدولي وحددت المعاهدة حقوق وواجبات كل دولة ومنحت نيودلهي السيطرة على الأنهار الشرقية (رافي- بياس- سوتليج) وإسلام آباد السيطرة على مياه الأنهار الغربية (السند- جيلوم- تشيناب) كما نصت على تمويل وبناء عدد من  السدود أبرزها سد تاربيلا على نهر السند وسد مانجلا على نهر جيلوم، وعلاوة على ذلك تم إنشاء لجنة دائمة لإدارة نهر السند تضم مفوض من كل دولة وقد نجحت في تسوية العديد من النزاعات بين الدولتين سلميًا.

واتصالًا في السنوات الأخيرة عبرت الدولتان عن رغبتهما في تعديل معاهدة مياه نهر السند، وتمثلت أبرز دوافع الهند في التغيرات الديموغرافية والحاجة إلى طاقة كهرومائية نظيفة والمخاوف الأمنية من إقليم كشمير المتنازع عليه، ومثلت دوافع نيودلهي شكاوي باكستان بشأن مشاريع الطاقة الكهرومائية في الجزء الخاضع للإدارة الهندية من كشمير وعجز آلية فض النزاعات في المعاهدة عن معالجة تلك الشكاوي. ولعل أبرز مشاريع الطاقة الكهرومائية الهندية كيشانجانجا الذي تبلغ قدرته 330 ميجاوات وتم افتتاحه في مايو 2018. 

وفي سياق متصل تسعى الهند إلى إعادة توظيف معاهدة مياه نهر السند من إطار تعاوني قائم على تقاسم  المياه إلى أداة للضغط السياسي تعزز موقعها في الصراع مع باكستان؛ ويأتي هذا التوجه في ظل  تكرار الهجمات الإرهابية المنسوبة لجماعات تنشط على الأراضي الباكستانية، وعلى رأسها هجوم 2019 الذي أسفر عن مقتل نحو 40 عنصرًا من قوات الأمن الهندي على يد جماعة “جيش محمد” الباكستانية، بالإضافة إلى هجمات أبريل الأخيرة  التي تم الإشارة إليها سابقًا، وعلى الرغم من نفي إسلام آباد صلتها المباشرة بتلك الهجمات فإن نيودلهي ترى استخدامها للماء كورقة ضغط أداة مشروعة للرد والردع في إطار تصعيدها السياسي والأمني.

يشكل تعليق معاهدة نهر السند من قبل الهند تهديدًا خطيرًا للأمن الغذائي والمائي في باكستان؛ حيث تعتمد الأخيرة بشكل كبير على المياه المتدفقة من الأراضي الهندية بنسبة تتجاوز 75% من إجمالي مواردها المائية. ويُفاقم هذا التهديد الوضع القائم في ظل تفاقم أزمة التصحر حيث حذرت هيئة تنظيم المياه الباكستانية في مارس الماضي من أن أبرز المناطق الزراعية خاصة إقليمي البنجاب والسند قد تواجه نقصًا مائيًا بنسبة 35% بنهاية الموسم الزراعي، بالإضافة إلى ذلك يتم الإضرار بالاقتصاد الباكستاني الذي تسهم فيه الزراعة بأكثر من 20% في الدخل القومي وتدعم نحو68% من سكان الريف؛ وعليه قد يؤدي ذلك إلى احتجاجات ضد الحكومة ويساهم في زعزعة الاستقرار الداخلي. ورغم أن تعليق المعاهدة قد يبدو أداة ضغط فعالة، إلا أنه لا يخلو من التبعات السلبية على الهند نفسها، حيث أن الهند تمتلك بنية تحتية محدودة لاستيعاب المياه الإضافية الناتجة عن حجز تدفق الأنهار، ما يُهدد بحدوث فيضانات داخل أراضيها. كما أن أي تصعيد في هذا الملف قد يقوض صورتها كطرف ملتزم بالقانون الدولي، ويُثير قلق المجتمع الدولي بشأن استخدام المياه كسلاح سياسي، لا سيما في ظل التحديات المناخية المتزايدة في جنوب آسيا. 

وتوجد العديد من القيود التي تعوق الهند عن الاستمرار في تعليق اتفاقية نهر السند لعل أبرزها : ضعف البنية التحتية اللازمة  لتخزين المياه، فاحتجاز نيودلهي لتلك الكميات الهائلة يحتاج إلى العديد من السدود في حوض نهر السند ويحتاج ذلك إلى سنوات طويلة، كما المادة (12/4) من معاهدة مياه نهر السند تنص  أن إنهاء أو تعديل المعاهدة لا يتم إلا عبر اتفاق رسمي مصدق عليه بين الحكومتين. كما يعد انتهاكّا للمادة 60 لقانون المعاهدات 1969 والذي لا يسمح للهند بالانسحاب إلا في ظروف استثنائية تتعرض خلالها حقوقها الخرق الجسيم.

الجهود الدولية

وفي ظل تصاعد التوترات، دعا مجلس الأمن الدولي الجانبين إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد[16]. كما دان الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الروسي بوتين ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الهجوم. علاوة على ذلك تبذل السعودية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع البلدين جهودًا لاحتواء التوترات بين نيودلهي وإسلام آباد من خلال اتصالات هاتفية أجراها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيريه الهندي والباكستاني. كما عرضت طهران التوسط من خلال توفير منصة حوار مستقلة تجمع الطرفين، في إطار سعيها للحفاظ على توازن علاقاتها؛ إذ تربطها علاقات تاريخية وثقافية بباكستان، وتسعى في الوقت نفسه إلى الإبقاء على قنوات اتصال مفتوحة مع الهند.

قد تواجه هذه الجهود تحديات جوهرية يأتي في مقدمتها انعدام الثقة المتبادل بين الجانبين؛ نتيجة النزاع التاريخي العميق وهو ما يعقد قبول أي مقترحات أو حلول تطرح من طرف ينظر إليه كخصم دائم كما تلعب التدخلات الإقليمية دورًا معقدًا في الصراع، حيث لا يقتصر على الهند وباكستان بل يشمل قوى أخرى مثل الصين وإيران التي تضع كل منهما مصالحها السياسية والاقتصادية في المقدمة. ويجب الإشارة إلى أن باكستان تحظى بدعم صيني في ظل سعى الهند إلى موازنة هذا النفوذ عبر تعزيز علاقاتها مع بكين. بالإضافة إلى ذلك قد تعقد الحسابات السياسية الداخلية في الهند وباكستان جهود الوساطة حيث يُعد أي تنازل للهند خسارة سياسية في باكستان، بينما تواجه حكومة مودي ضغوطًا قومية ترفض التسوية مع باكستان.

وختامًا لما سبق يعد هجوم أواخر أبريل بمثابة الشرارة التي أشعلت الصراع المتجذر بين الدولتين ودفعت نيودلهي إلى اتباع استراتيجيات غير تقليدية على نحو تعليق معاهدة نهر السند للمرة الأولى والتي تتجاوز انعكاساتها حدود كل من الهند وباكستان؛ إذ تظهر انهيار الثقة في المعاهدات المائية وتدفع دول أخرى لاتخاذ سياسات مماثلة، وفي هذا السياق تبرز أهمية المساعي الدبلوماسية كخيار وحيد لمنع انزلاق البلدين إلى صراع مفتوح، وضمان الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي.

 

تم نسخ الرابط