عاجل

السلام مقابل الأرض .. خيار مؤلم يواجه رفضًا واسعًا بين الأوكرانيين

أوكرانيا
أوكرانيا

السلام مقابل الأرض .. سؤال يثير جدلًا واسعًا في أوكرانيا، ويضع الشعب أمام خيار مؤلم يلامس الجذور العميقة لهويته الوطنية وتضحياته المستمرة، فمع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا عامها الثالث، يتصاعد الحديث الدولي عن تسوية محتملة تُنهي النزاع، ولكن بثمن قد يعتبره كثيرون باهظًا: التنازل عن أراضٍ تحت سيطرة القوات الروسية.

ورغم الضغوط التي تمارسها بعض القوى الغربية الكبرى، والتي بدأت تميل إلى طرح هذا الخيار كحل واقعي لتقليل الخسائر وإيقاف نزيف الحرب، إلا أن استطلاعات الرأي والشارع الأوكراني يشيران إلى رفض شعبي واسع لهذا الطرح، باعتباره مساسًا بسيادة الدولة وخيانة لدماء آلاف القتلى الذين سقطوا دفاعًا عن الأرض.

السلام مقابل الأرض

يترافق هذا الرفض مع تصاعد الخطاب القومي داخل أوكرانيا، وعودة الذاكرة الجمعية إلى محطات تاريخية شهدت محاولات اقتطاع للأراضي الأوكرانية، ويبدو أن خيار "السلام مقابل الأرض" لا يمثل فقط مقايضة جغرافية، بل معركة رمزية حول الكرامة والهوية، لا تقلّ تعقيدًا عن الحرب ذاتها.

وفي تصريح أثار جدلًا واسعًا، لمّح فيتالي كليتشكو، بطل العالم السابق في الملاكمة وعمدة كييف الحالي، خلال مقابلة صحفية الشهر الماضي، إلى أن أوكرانيا قد تضطر للتفكير في تقديم تنازلات إقليمية لإنهاء الحرب، لكن ردة الفعل الشعبية الغاضبة على مواقع التواصل دفعته لاحقًا إلى التراجع عبر منشور على "فيسبوك"، قال فيه: "التنازلات الإقليمية تتعارض مع مصالحنا الوطنية، ويجب أن نقاومها حتى النهاية".

وتُشير استطلاعات رأي جديدة، إلى أن الغالبية العظمى من الأوكرانيين ترفض فكرة التنازل عن أي جزء من الأراضي لروسيا، حتى وإن كان ذلك في إطار صفقة لوقف إطلاق النار، وأن قرابة 75% من الأوكرانيين لا يرون أن التنازلات الإقليمية وسيلة مقبولة لإنهاء الحرب، حسبما نشرت وكالة "رويترز".

وأوضح استطلاع أجرته مؤسسة "جرادوس" للأبحاث، أن العديد من المشاركين يرون أن الهدف الأساسي لروسيا ليس فقط السيطرة على بعض المناطق، بل فرض سيطرتها الكاملة على أوكرانيا، وبالتالي، فإن أي تنازل يُعدّ بمثابة تعزيز للمعتدي وليس ضمانًا للسلام.

هل تقدم أوكرانيا تنازلات من أجل السلام؟

يُفسر الموقف الشعبي الأوكراني سبب تمسك الرئيس فولوديمير زيلينسكي بموقفه الرافض لتقديم أي تنازلات إقليمية، على الرغم من اعترافه بأن القوة العسكرية وحدها لن تكفي لاستعادة الأراضي التي تحتلها روسيا حاليًا، ليؤكد أن التنازل الرسمي عن الأراضي "يتعارض مع الدستور الأوكراني".

وتسيطر روسيا حاليًا على ما يقرب من 20% من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها في عام 2014، بالإضافة إلى أجزاء واسعة من أربع مناطق أخرى في شرق وجنوب شرق البلاد.

ورغم النفي الروسي المتكرر لنواياها بالسيطرة على أوكرانيا بأكملها، إلا أن الحرب الشاملة في عام 2022، والتي استهدفت العاصمة كييف في بداياته، أضعف الثقة في هذه التصريحات، فيما تمكنت القوات الأوكرانية لاحقًا من صد الهجوم ودفع القوات الروسية نحو الجنوب والشرق.

ويرى مفاوضون أمريكيون أن كييف قد تُضطر في نهاية المطاف للاعتراف بخسارة بعض الأراضي، وأن بعض الحلفاء الأوروبيين، بل وحتى بعض الأوكرانيين في المحادثات الخاصة، يقرّون بأن تقديم تنازلات قد يكون السبيل الوحيد لإنهاء الحرب.

وفيما تشير بعض البيانات إلى تراجع طفيف في الرفض الشعبي لفكرة التنازل، إلا أن المعارضة لا تزال هي السائدة، فبحسب معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع (KIIS)، فإن 39% من الأوكرانيين أبدوا استعدادًا لقبول التنازلات في مارس الماضي، مقارنة بـ10% فقط في مايو 2022، غير أن 50% لا يزالون يرفضون الفكرة تمامًا، وهي نسبة قريبة من تلك المسجلة في ديسمبر الماضي (51%).

كما أظهر استطلاع لمركز "رازومكوف" في شهري فبراير ومارس، أن 82% من المشاركين يعارضون أي اعتراف رسمي بالسيطرة الروسية على الأراضي المحتلة.

وقال أنطون هروشيتسكي، الباحث في معهد KIIS، إن القبول بأي تنازل حتى ولو لم يكن رسميًا، يُعد من الناحية الفعلية إقرارًا بالاحتلال، مضيفًا أن الأمر يتطلب في المقابل ضمانات أمنية قوية.

حوار وطني حول التنازل عن الأراضي الأوكرانية

رغم الجدل الذي أثاره كليتشكو، لا توجد حتى الآن أي شخصية سياسية بارزة في أوكرانيا تتبنى علنًا فكرة فتح حوار وطني حول خيار التنازل عن الأراضي، وهو ما يثير تساؤلات بشأن الاستعداد الشعبي والسياسي لأي صفقة محتملة في المستقبل.

وأكد إيفين ماهدا، المحلل السياسي في كييف، أن بدء حوار صريح بين القيادة والمجتمع حول هذا الخيار ضروري لضمان قبول أي اتفاق محتمل، مقرًا بصعوبة الأمر، قائلاً: "علينا أن نكون واقعيين، لكن للأسف، لا يزال كثير من الأوكرانيين يرون في أي حديث عن التسوية خيانة للوطن".

تم نسخ الرابط