عاجل

في الأول من مايو من كل عام، تقف الدولة المصرية بكل مؤسساتها احتراما وإجلالا لعمالها، الذين يشكلون بحق ركيزة البناء والنهوض، ويمثلون القوة الحقيقية الدافعة لكل ما تحقق من إنجازات ومشروعات قومية كبرى، ويأتي عيد العمال هذا العام في ظل مرحلة فارقة من عمر الوطن، نؤسس فيها لجمهورية جديدة، يكون فيها الإنسان هو الهدف، والعمل هو الوسيلة، والتنمية المستدامة هي الطريق.

لم تكن الجمهورية الجديدة شعارا سياسيا أو مصطلحا إعلاميا، بل هي مشروع وطني شامل يستند إلى قيم العمل والعدل والكرامة الإنسانية، ويستند إلى قاعدة صلبة من العقول و السواعد التي تبني وتنتج وتبدع ومن هنا، فإن العامل المصري لم يعد مجرد عنصر في منظومة الإنتاج، بل أصبح شريكا أساسيا في صياغة مستقبل الدولة المصرية الحديثة، التي تسير بخطى واثقة نحو التقدم والازدهار.

لقد جسد العامل المصري، عبر عقود طويلة، أسمى معاني الوطنية والانتماء ووقف دائما في خندق الوطن، مدافعا عنه بعرقه وجهده، كما فعل بجسده حينما تطلبت الظروف ذلك واليوم، وهو يخوض معركة التنمية والإنتاج، يثبت من جديد أن مصر لن تبني إلا بسواعد أبنائها، وأن التنمية الشاملة لا تتحقق إلا حينما نعلي من قيمة العمل ونعيد له مكانته المستحقة.

ويأتي عيد العمال هذا العام ليكتسب أهمية خاصة في ظل إصدار قانون العمل الجديد، الذي يعد نقلة نوعية حقيقية في مسار الحقوق العمالية في مصر، ويعبر عن إرادة الدولة في ترسيخ بيئة عمل عادلة ومنصفة، تحقق الأمان الوظيفي وتحمي العامل من تعسف أو تهديد، وفي الوقت ذاته تحفظ لأصحاب الأعمال حقوقهم المشروعة، في توازن طال انتظاره ، ولا يقتصر القانون الجديد على صياغة قانونية جديدة، بل يعكس تحولا في فلسفة التعامل مع سوق العمل، من منطق الرعاية الاجتماعية إلى منطق التمكين والإنتاج وتعزيز مناخ الاستثمار، وخلق بيئة محفزة للنمو الاقتصادي، ويعطي للعامل المصري الإحساس بالأمن والاحترام والعدالة، وهو ما ينعكس إيجابا على إنتاجيته وعلى إحساسه بالانتماء والمسؤولية تجاه مؤسسته ومجتمعه.

ومن أبرز ما يقدمه القانون، الحماية القانونية للعامل، وتأكيد مبدأ الحوار والتفاوض الجماعي، وتنظيم العلاقة بين أطراف الإنتاج على نحو يحقق الاستقرار ويسهم في تقليل النزاعات العمالية، ويدفع عجلة الاقتصاد الوطني نحو مزيد من النمو.

إن ما تحقق من مشروعات تنموية عملاقة على مدار السنوات الماضية – من مدن جديدة، وشبكات طرق، ومصانع، ومحطات طاقة، وشبكات مياه وصرف صحي – ما كان له أن يتحقق لولا جهد العمال في مواقع البناء، ومصانع الإنتاج، وحقول الزراعة، وورش الحرف اليدوية، والمؤسسات الخدمية و أثبت العامل المصري أنه قادر على العمل تحت أي ظروف، لا يعرف المستحيل، ويبدع في صمت، ويصنع الأمل بأدوات بسيطة ولكن بإرادة فولاذية ومن هنا، فإن الحديث عن الاكتفاء الذاتي، وتوطين الصناعة، وتقليل الفاتورة الاستيرادية، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال دعم العامل المصري، وتوفير البيئة المناسبة له، وتمكينه من أدوات التكنولوجيا والمعرفة الحديثة.

كما أن دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعد من أهم الخطوات في تعزيز قدرات العمالة المصرية، وخلق فرص عمل حقيقية، وتحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة في كل ربوع الوطن وهذه المشروعات ليست فقط قاطرة للنمو، بل هي فرصة لصناعة جيل جديد من المنتجين ورواد الأعمال.

في هذه المناسبة الوطنية، لا بد أن نوجه تحية تقدير لكل عامل في مصر، مهما كان موقعه، ومهما كانت طبيعة عمله فالكل يساهم في بناء هذا الوطن، والكل شريك في صناعة المستقبل ولابد أن يدرك الجميع أن ما نبنيه اليوم، من مؤسسات وقوانين وبنية تحتية، هو لأجل الإنسان المصري، أولا وأخيرا، وأن هذا الوطن لا ينهض إلا بالعمل، ولا يتقدم إلا بالإنتاج، ولا يحافظ على سيادته إلا حينما يعتمد على ذاته.

إن العامل المصري، وهو يحتفل اليوم بعيدٍ يخصه ويشيد بدوره، يجب أن يشعر أن الدولة معه، لا فقط بالكلمات، ولكن بالسياسات والقرارات والقوانين التي تحفظ كرامته وتعلي من مكانته وتحقق له الحماية والأمان فذلك هو الطريق إلى التقدم، وتلك هي الجمهورية الجديدة التي نطمح أن نعيش فيها جميعا: جمهورية تقدر الإنسان، تحتفي بالعمل، وتشجع الإنتاج، وتبني المستقبل بعقول وسواعد أبنائها.

كل عام وعمال مصر بخير، وكل عام والوطن أقوى بسواعدهم.

تم نسخ الرابط