أزمة الدولار في مصر: جذور قديمة وأزمات متجددة وحلول تنتظر التطبيق

تشهد مصر منذ سنوات أزمة متفاقمة في وفرة الدولار، ما تسبب في ضغوط كبيرة على سعر صرف الجنيه، وزيادة تكلفة الاستيراد، وتباطؤ في الاستثمار.
وعلى عكس الرأي السائد بأن هذه الأزمة وليدة السنوات الأخيرة، كشف رئيس شركة القلعة عن جذور أعمق للأزمة تعود إلى بداية الألفية، في ظل أخطاء هيكلية متراكمة، أبرزها سياسات تسعير الطاقة، وتراجع مصادر النقد الأجنبي، وتنامي الدين الخارجي.
شح الدولار
أولًا: جذور الأزمة منذ عام 2000
قال رئيس شركة القلعة في تصريحات حديثة إن "أزمة الدولار في مصر ليست جديدة، وإنما بدأت منذ عام 2000 بسبب شح الدولار الناتج عن تسعير خاطئ للطاقة." وأوضح أن الدولة كانت تدعم الطاقة بشكل كبير دون ربطها بالأسعار العالمية، ما تسبب في استنزاف الموارد الدولارية من جهة، وتقليص جاذبية السوق أمام المستثمرين من جهة أخرى.
ثانيًا: انهيار مصادر تدفق الدولار
أكد الدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادي، في تصريح خاص لنيوز رووم ،أن الأزمة تفاقمت مؤخرًا بسبب تراجع مصادر العملة الصعبة، وعلى رأسها:
1. قناة السويس:
تأثرت الإيرادات بشدة بسبب الهجمات في البحر الأحمر من قبل الحوثيين، مما قلل من أمان المرور البحري.
أشار خضر إلى أن إيرادات القناة تراجعت بأكثر من 2 مليار دولار في 2024.
2. السياحة:
لا تزال تعاني من تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، إذ كانت روسيا وأوكرانيا تمثلان أكثر من 4 ملايين سائح.
الحرب أثرت على دخول المواطنين هناك، مما خفض أعداد السائحين رغم عودة بعض الحركة.
3. تحويلات المصريين بالخارج:
شهدت تذبذب في الفترة الأخيرة بسبب الاتجاه نحو السوق السوداء للحصول على أسعار صرف أفضل.
4. الدين الخارجي:
بلغ أكثر من 140 مليار دولار، ما يمثل عبئا كبيرًا على الاحتياطي النقدي، ويستلزم توفير موارد دولارية لسداد الأقساط والفوائد.
تسعير الطاقة
ثالثًا: تسعير الطاقة وسياسات صندوق النقد
انتقد د. خضر استمرار الحكومة في رفع أسعار الوقود محليا حتى في ظل انخفاض أسعار البترول عالميا، مؤكدًا أن الحكومة ترفع الأسعار تماشيا مع شروط صندوق النقد الدولي وليس وفقًا للأسواق العالمية.
وتوقع أن يشهد عام 2025 زيادات إضافية في أسعار البنزين، قد تصل إلى أكثر من 20 جنيهًا للتر، ما لم يتم ربط الأسعار بالسوق العالمي بشكل فعلي.
رابعًا: الحلول الممكنة وتعقيداتها
يرى خضر أن الحل الوحيد لتعويض نقص الدولار هو التوسع في الإنتاج والتصدير، لكن ذلك يتطلب:
توسيع القاعدة الصناعية ورفع جودة المنتجات.
جذب الاستثمار الأجنبي كأحد حلول التمويل بالدولار.
زيادة الاحتياطي النقدي لضمان سداد الدين الخارجي.
لكنه أشار إلى أن "هذه الحلول تحتاج لوقت طويل ولن تحدث تأثيرًا سريعا".
أزمة الدولار في مصر
موكدا أن ازمة الدولار في مصر ليست أزمة طارئة، بل نتيجة تراكمات لعقود من السياسات غير المتوافقة مع الواقع الاقتصادي العالمي،و استمرارها دون إصلاح هيكلي حقيقي في مصادر الإيراد والتسعير قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط المالية، وهو ما يستدعي مراجعة شاملة للسياسات النقدية والاقتصادية بما يضمن استدامة العملة الصعبة وشفافية التسعير.