اتفاق المعادن بين واشنطن وكييف.. صفقة استراتيجية تعيد رسم خطوط الدعم والسيادة

في خطوة وُصفت بالاستراتيجية والحاسمة في مسار الصراع شرق أوروبا، وقّعت الولايات المتحدة وأوكرانيا اتفاقًا جديدًا يمنح واشنطن وصولًا تفضيليًا إلى الموارد المعدنية الأوكرانية، ويؤسس لصندوق مشترك لتمويل إعادة إعمار البلاد التي تمزقها الحرب، وذلك بعد مفاوضات طويلة ومعقدة، ويعكس تحوّلًا في طبيعة الدعم الأمريكي لكييف من مساعدات عسكرية مباشرة إلى شراكة اقتصادية تفتح الباب لاستثمارات بعيدة المدى في قطاع حيوي تسيطر عليه الصين عالميًا.
ويُعد الاتفاق الذي وقع في واشنطن بحضور كبار المسؤولين من الجانبين، خطوة متقدمة في سعي إدارة الرئيس دونالد ترامب لإعادة صياغة العلاقة مع كييف، وربط المساعدات الأمريكية بمصالح استراتيجية ملموسة، أبرزها المعادن الأرضية النادرة، وبينما تصفه أوكرانيا بأنه ضمان جديد لدعم سيادتها واستقلالها الاقتصادي، يرى مراقبون أنه يُعيد رسم خطوط الدعم الغربي ويمنح واشنطن نفوذًا أعمق في مستقبل إعادة الإعمار، وسط جمود سياسي في مسار المفاوضات مع موسكو.
اتفاق المعادن بين واشنطن وكييف
وقّعت الولايات المتحدة وأوكرانيا يوم الأربعاء اتفاقًا طال انتظاره يمنح واشنطن وصولًا تفضيليًا إلى موارد المعادن الأوكرانية، في خطوة وصفتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها تأكيد واضح على التزامها تجاه "أوكرانيا حرة وذات سيادة ومزدهرة".
وجاء التوقيع بعد أشهر من مفاوضات اتسمت بالتوتر وعدم اليقين، حيث تم تجاوز عقبة مفاجئة في اللحظات الأخيرة قبل الإعلان عن الاتفاق رسميًا في العاصمة الأمريكية واشنطن.
صندوق مشترك لإعادة الإعمار ومساهمة أمريكية مباشرة
ينص الاتفاق على إنشاء صندوق استثماري مشترك لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا، كما تساهم الولايات المتحدة فيه عبر تمويل مباشر ومساعدات أخرى محتملة، منها أنظمة الدفاع الجوي، بحسب ما أعلنته النائبة الأولى لرئيس الوزراء الأوكراني يوليا سفيريدينكو.
وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان لها أن الاتفاق "يعكس حجم الدعم المالي والمادي الهائل الذي قدّمه الشعب الأمريكي لأوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي واسع النطاق في 2022".
ترامب يربط المساعدات بالموارد
كرّر الرئيس ترامب، قبيل توقيع الاتفاق، رؤيته بأن الولايات المتحدة يجب أن تستفيد من مساعداتها المقدمة لكييف، مشيرًا إلى أهمية الحصول على حصة من رواسب المعادن النادرة التي تزخر بها أوكرانيا.
وتُعد هذه الموارد بالغة الأهمية في الصناعات التكنولوجية والعسكرية، وسط هيمنة صينية على سوقها العالمي، وتوترات مستمرة في العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين.
أوكرانيا تحتفظ بحقوقها
أكدت أوكرانيا أن الاتفاق لا يفرض عليها أية التزامات ديون تجاه واشنطن، وأنها تحتفظ بالسيادة الكاملة على مواردها المعدنية.
وأضافت سفيريدينكو أن الاتفاق "متوافق مع الدستور الأوكراني وأهداف البلاد في الانضمام للاتحاد الأوروبي".
مسار السلام الأمريكي والتعقيدات الروسية
رغم التوقيع على الاتفاق الاقتصادي، لا تزال المفاوضات السياسية تراوح مكانها، فقد أفادت مصادر مطلعة في موسكو بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتمسك بشروطه المتشددة، وأبرزها السيطرة الكاملة على أربع مناطق أوكرانية، وهو ما اعتبره البيت الأبيض عائقًا أمام جهود التوصل إلى تسوية سلمية، وفقًا لرويترز.
وأكد مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، أن المفاوضات المباشرة في الكرملين لم تحرز تقدمًا ملموسًا، وسط دعوات لإجراء اتصال مباشر بين بوتين وترامب لكسر الجمود.
أوكرانيا تدفع ثمن الحرب بثروتها الوطنية
من جانبه، اعتبر ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، أن اتفاق المعادن "يجبر كييف على دفع تكاليف المساعدات الأمريكية بالموارد الوطنية"، مضيفًا أن "ترامب كسر نظام كييف"، في إشارة إلى تغير ميزان العلاقات الأمريكية الأوكرانية.
كما أبلغت إدارة ترامب الكونغرس بنيتها السماح بصفقات بيع دفاعية مباشرة لأوكرانيا تتجاوز قيمتها 50 مليون دولار، وهي خطوة جديدة في إطار الدعم العسكري.
لا سلام دون اعتراف بالأراضي المحتلة
رغم الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، يصر الرئيس الروسي على أن السلام لا يمكن أن يتحقق دون اعتراف دولي بضم روسيا لأربع مناطق أوكرانية، بينها دونيتسك ولوهانسك، والتي أعلنت موسكو ضمها دستوريًا عام 2022.
وفي المقابل، أكدت كييف مجددًا رفضها لهذا الطرح، مشددة على أن أي تنازل عن الأراضي يتعارض مع دستور البلاد، ويقوض سيادتها.
إعادة تشكيل العلاقة الأمريكية الأوكرانية
يُعتبر اتفاق المعادن بين واشنطن وكييف تطورًا محوريًا في العلاقة بين البلدين، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل في رسم ملامح المرحلة المقبلة من الدعم الأمريكي والسياسات الإقليمية تجاه روسيا، ومع استمرار الجمود في مسار السلام، يبقى السؤال مطروحًا: هل يكون الاقتصاد مدخلًا لتسوية سياسية، أم مجرد ورقة جديدة في لعبة النفوذ الدولي؟