عاجل

محطة الضبعة النووية.. حلم مصري يتحول إلى واقع نووي

محطة الضبعة النووية
محطة الضبعة النووية

في خطوة تعد الأولى من نوعها في تاريخ مصر، وضمن استراتيجية الدولة لتعزيز إنتاج الطاقة وتنويع مصادر الكهرباء، تشهد محافظة مطروح تنفيذ واحد من أكبر المشاريع القومية الحديثة، وهي محطة الضبعة للطاقة النووية، والتي تعتبر أيقونة دخول مصر عصر الطاقة النووية السلمية، هذا المشروع الضخم لا يمثل فقط طاقة نظيفة، بل يعكس تحولا استراتيجيا في بنية الاقتصاد الوطني والسياسات المستدامة طويلة المدى.

محطة الضبعة للطاقة النووية، المشروع القومي الأضخم في تاريخ مصر الحديث، والذي يشكل نقطة تحول فارقة في مشهد الطاقة الإقليمي والدولي، ويعيد رسم ملامح الخريطة التنموية في البلاد، ومنذ إعلان القيادة السياسية نيتها دخول النادي النووي السلمي في منتصف العقد الماضي، باتت الضبعة عنوانا لطموح مصري عابر للأجيال، وعلى امتداد أعوام من الدراسات والمفاوضات والتخطيط والتنفيذ، تحولت الأرض من مجرد حلم نظري إلى مشروع استراتيجي متكامل، يجمع بين التكنولوجيا الروسية الحديثة والرؤية المصرية الطموحة لبناء وطن جديد يعتد بالعلم والطاقة والاعتماد على الذات.

مشروع القرن:

تقع محطة الضبعة النووية على الساحل الشمالي الغربي لمصر، في منطقة الضبعة التابعة لمحافظة مطروح، على بعد نحو 135 كم غرب مدينة الإسكندرية، وتضم المحطة 4 مفاعلات نووية من الجيل الثالث المتطور (VVER-1200)، بقدرة إنتاجية إجمالية تصل إلى 4,800 ميجاوات، أي بواقع 1,200 ميجاوات لكل مفاعل.

شراكة روسية – مصرية:

 تم توقيع العقود الأساسية للمشروع في ديسمبر 2017 بين هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء     (NPPA)  والشركة الروسية العملاقة روساتوم، في إطار اتفاقية حكومية تم توقيعهاعام 2015، وبموجب العقود تتولى روساتوم التصميم والتمويل والبناء والتدريب والصيانة، إلى جانب تزويد المحطة بالوقود النووي على مدار عمرها التشغيلي الممتد لـ 60 عاما.

التمويل:

 يتم تمويل المشروع بقرض روسي تبلغ قيمته نحو 25 مليار دولار، يسدد على مدار 22 عاما، بفائدة سنوية تبلغ 3%، وتتحمل الحكومة المصرية تمويل نسبة 15% المتبقية من التكلفة الإجمالية للمشروع، أي ما يقارب 4.5 مليار دولار.

التكنولوجيا النووية والأمان والسلامة:

يتميز طراز VVER-1200 بكونه من مفاعلات الجيل الثالث+، ما يعني أنه يوفر مستوى متقدما من الأمان والسلامة، مدعوما بأنظمة دفاعية متعددة الطبقات، تشمل: أنظمة التبريد السلبية التي تعمل دون الحاجة لمصدر خارجي للطاقة، واحتواء مزدوج لمنع أي تسرب إشعاعي، ونظم رقابة رقمية متقدمة للكشف المبكر عن أية أعطال أو أخطاء تشغيلية.

كما أن هذا الطراز قد اجتاز اختبارات الأداء بنجاح في عدة دول، منها روسيا والصين والهند وبنغلاديش، حيث يجري تنفيذ مفاعلات مماثلة، وقد راعت مصر توصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة ما بعد حادثة فوكوشيما عام 2011، كما أن جميع أعمال الإنشاء تخضع لرقابة صارمة من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية، بالتنسيق مع جهات دولية، لضمان أعلى مستويات السلامة البيئية والمجتمعية.

الجدول الزمني والتنفيذ:

بدء الإنشاءات الرئيسية لأول مفاعل نووي "الوحدة رقم 1"، فى يوليو 2022، بعد الحصول على إذن الإنشاء من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية.

وفى نوفمبر 2022، بدء الأعمال الإنشائية للمفاعل الثاني، وتصاعدت  الأعمال التنفيذية في باقي المفاعلات، بين عامى 2023 – 2024.

ومن المخطط أن يتم التشغيل التجاري التدريجي للمفاعلات الأربعة، من 2026 حتى 2030 بمعدل مفاعل كل عام تقريبا.

أبعاد استراتيجية:

من حيث البعد الاقتصادي، من المتوقع أن يسهم المشروع في خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري بنسبة 15% بحلول عام 2035، وتوفير نحو 10 مليارات دولار سنويًا من تكاليف استيراد الوقود.

وبيئيا، يوفر المشروع طاقة نظيفة خالية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويسهم في تقليص البصمة الكربونية لمصر، في إطار التزاماتها باتفاقية باريس للمناخ.

وتقنيا، ينقل المشروع التكنولوجيا النووية الحديثة إلى مصر، ويعد قفزة علمية مهمة، خصوصا أن المفاعلات من الجيل الثالث تتمتع بمستوى أمان عالٍ يحاكي معايير ما بعد كارثة فوكوشيما.

كما تم تدريب أكثر من 1,700 مهندس مصري في روسيا، وتم إنشاء معهد متخصص لتأهيل الكوادر الفنية في منطقة الضبعة، ما يعزز الاستدامة التشغيلية للمشروع.

التأثيرات التنموية المحلية: 

تعمل الدولة على تحويل منطقة الضبعة إلى مركز تنموي متكامل، إذ تم تطوير البنية التحتية للمنطقة بشكل شامل، بما في ذلك الطرق، وشبكات الكهرباء والمياه، والمرافق الخدمية، كما من المتوقع خلق نحو 50 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال فترة الإنشاء والتشغيل.

ردود الفعل الدولية:

 أشادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتقدم المصري، معتبرة المشروع نموذجا للتعاون الدولي الناجح في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، كما أعربت عدة دول عربية وإفريقية عن رغبتها في الاستفادة من الخبرة المصرية في هذا المجال، خاصة بعد التحول الجذري في صورة مصر كمركز إقليمي للطاقة.

فمحطة الضبعة النووية ليست مجرد مشروع هندسي أو منشأة لإنتاج الكهرباء ، بل بوابة لدخول مصر إلى حقبة جديدة من السيادة العلمية والتكنولوجية، ورسالة للعالم بأن الدولة المصرية تمضي نحو المستقبل بثقة وهدوء ووعي.

تم نسخ الرابط