العلاقات المصرية الروسية.. تحالف استراتيجي بين ضفتي المتوسط ونهر الفولجا

ظلت العلاقات المصرية الروسية راسخة ومتجددة، تتأرجح بين التحالف السياسي العميق والتعاون الاقتصادي المتزايد، فالمصالح المتبادلة والمواقف المشتركة نقطة التقاء دائمة، ما منح هذه العلاقة طابعا استراتيجيا متنوع الأبعاد.
الجذور التاريخية والسياسية
ترجع العلاقات بين مصر وروسيا إلى أربعينيات القرن الماضي، إلا أن أبرز ملامح التعاون بدأت في الخمسينيات خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حيث لعب الاتحاد السوفيتي دورا محوريا في بناء السد العالي بأسوان وتحديث الجيش المصري.
وبعد فترة من الفتور خلال عهد السادات نتيجة التحول نحو المعسكر الغربي، عادت العلاقات للدفء مجددا منذ أوائل الألفية، لتبلغ ذروتها بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث كانت روسيا من أوائل الدول التي أعلنت دعمها للنظام المصري الجديد بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقد توج هذا التوجه بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في أكتوبر 2018، خلال زيارة الرئيس السيسي إلى سوتشي، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون العميق.
العلاقات المصرية الروسية
لم تعد العلاقات المصرية الروسية قاصرة على ملفات تقليدية، بل توسعت لتشمل الطاقة النووية، التصنيع، الأمن السيبراني، والتعليم، مع وجود آلاف الطلاب المصريين في الجامعات الروسية.
وتطمح القاهرة لأن تكون مركزا لتوزيع المنتجات الروسية في أفريقيا، فيما تراهن موسكو على مصر كركيزة للاستقرار وممر آمن للتجارة نحو القارة السمراء.
ومع التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، يبقى هذا التحالف نموذجا لدبلوماسية متوازنة، تقوم على تبادل المصالح واحترام السيادة، وتفتح آفاقا واسعة لمستقبل أكثر تنوعا وعمقا.
التعاون الاقتصادي
التبادل التجاري:
وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا في عام 2023 نحو 4.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 17% عن عام 2022، ما يعكس النمو المطرد في العلاقات الاقتصادية، وتتمثل الصادرات المصرية إلى روسيا فى الخضروات والفواكه الطازجة، وعلى رأسها البرتقال والبطاطس والعنب، وتشمل الواردات المصرية من روسيا تشمل الحبوب خاصة القمح الروسي، والمنتجات النفطية، والمعادن، وتعد روسيا أحد أكبر موردي القمح لمصر، حيث بلغت واردات القاهرة من القمح الروسي أكثر من 6 ملايين طن في 2023، تمثل أكثر من 70% من إجمالي واردات القمح المصرية.
الاستثمار الروسي في مصر:
تظهر أبرز صور هذا التعاون في مشروع محطة الضبعة النووية، الذي تنفذه شركة "روساتوم" الروسية بتمويل روسي يبلغ 25 مليار دولار، وهو أحد أكبر المشروعات النووية في أفريقيا، ويهدف إلى توليد 4800 ميغاوات من الكهرباء، على أن يبدأ التشغيل التدريجي في عام 2028.
وتمثل المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، نقطة تحول استراتيجية، إذ تعتزم موسكو إنشاء مجمع صناعي على مساحة 5.25 كيلومتر مربع، يوفر أكثر من 35 ألف فرصة عمل، ويستهدف التصدير إلى أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
التعاون الأمني والعسكري
شهدت السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا في التعاون العسكري بين القاهرة وموسكو، ظهر من خلال صفقات تسليح كبرى، شملت مقاتلات من طراز "ميغ-29"، ومروحيات "كا-52"، ومنظومات دفاع جوي متقدمة، تدريبات مشتركة مثل مناورة "سهم الصداقة" بين قوات المظلات، ومناورات بحرية في البحر المتوسط، بالإضافة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية في ملفات مكافحة الإرهاب، خاصة في سيناء ومنطقة الشرق الأوسط.
مجال السياحة:
شكلت السياحة الروسية أحد أعمدة الاقتصاد المصري، حيث كانت موسكو ترسل أكثر من 3 ملايين سائح سنويًا قبل حادثة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر 2015، ورغم تعليق الرحلات الجوية لسنوات، فإن استئنافها في 2021 أعاد الأمل للقطاع السياحي، وبلغ عدد السياح الروس الوافدين إلى مصر في 2023 نحو 1.7 مليون سائح، ويتوقع أن يتجاوز الرقم 2.5 مليون في 2025 وفق وزارة السياحة المصرية.
التعاون الدولي والإقليمي
في الملف الليبي، لعبت القاهرة وموسكو أدوارا متقاربة في دعم الجيش الليبي، والدعوة لتسوية سياسية شاملة، كما تدعم الدولتان حل الدولتين وترفضان التصعيد في غزة، تبنت مصر فى أزمة أوكرانيا موقفا متوازنا، داعية للحوار، وهو ما لاقى تفهما من الجانب الروسي في ظل العلاقات المتينة.