هدنة روسية مؤقتة في أوكرانيا .. بادرة إنسانية أم مناورة استراتيجية؟

في خطوة وصفت بالمفاجئة، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن وقف مؤقت لإطلاق النار في أوكرانيا لمدة ثلاثة أيام، تبدأ من يوم الجمعة وتستمر حتى الأحد، تزامنًا مع عيد الفصح الأرثوذكسي، وقد رُوّج للقرار رسميًا على أنه مبادرة "إنسانية" تهدف إلى تمكين المدنيين من التنقل والاحتفال بالعيد بأمان، إلا أن هذه الهدنة أثارت تساؤلات عديدة حول دوافعها الحقيقية، وسط تكهنات واسعة بأنها ربما تخفي خلفها حسابات عسكرية وسياسية.
الهدنة وسيلة لإعادة التموضع
وتأتي هذه المبادرة في وقت تتصاعد فيه حدة المعارك على الجبهات الشرقية، خاصة في دونيتسك وخاركيف، حيث تسعى القوات الروسية لتحقيق تقدم ميداني ملموس قبيل أي جولة جديدة محتملة من المفاوضات، وعلى المستوى السياسي، تواجه موسكو ضغوطًا دولية متزايدة وعزلة متنامية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية الغربية، ما يفتح الباب أمام تأويلات تعتبر الهدنة وسيلة لإعادة التموضع أو محاولة لتحسين صورة روسيا دوليًا باعتبارها طرفًا مرنًا يسعى للحل السلمي.
وتعاملت أوكرانيا مع الإعلان الروسي بحذر بالغ، واعتبرته "خدعة دعائية" تهدف إلى تخفيف الضغط العسكري على القوات الروسية، وفي حين دعت بعض القوى الدولية إلى استثمار هذه التهدئة لتهيئة مناخ إيجابي لحوار سياسي أوسع، رأى عدد من المحللين أن هذه الخطوة قد لا تتعدى كونها استراحة تكتيكية لا ترقى لأن تكون مقدمة جادة لإنهاء الحرب، ما لم تقترن بإجراءات عملية ومفاوضات فعلية.
هدنة روسية مؤقتة في أوكرانيا
في تطور لاحق، أعلن الكرملين عن وقف لإطلاق النار مرة أخرى، لكن هذه المرة بمناسبة مرور 80 عامًا على انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية، وذلك خلال الفترة من 8 إلى 10 مايو، بهدف إظهار حرص روسيا على السلام، رغم الانتقادات التي واجهتها من قبل أوكرانيا وبعض الدول الأوروبية.
وسيتزامن وقف إطلاق النار مع احتفالات رسمية تقام في موسكو، بمشاركة عدد من القادة الدوليين، بينهم الرئيس الصيني شي جين بينج، وقد شدد الكرملين على أن جميع العمليات العسكرية الروسية ستتوقف خلال هذه الفترة، داعيًا أوكرانيا لاتخاذ خطوة مماثلة، محذرًا في الوقت نفسه من أن أي خرق من الجانب الأوكراني سيُواجه برد صارم وفعّال.
وفي رد مباشر، انتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إعلان الهدنة، متسائلًا عن جدوى تأجيلها حتى 8 مايو رغم استمرار سقوط الضحايا يوميًا، قائلًا: "نحن نثمّن حياة الناس، لا الاستعراضات العسكرية، لماذا يجب الانتظار حتى 8 مايو ليهدأ الوضع من أجل بوتين؟"، مؤكدًا ضرورة وقف فوري لإطلاق النار لمدة لا تقل عن 30 يومًا لتهيئة أجواء جدية للمفاوضات".
وتُعد هذه الهدنة هي الثانية من نوعها التي تعلنها روسيا خلال فترة قصيرة، بعد هدنة سابقة بمناسبة عيد الفصح استمرت 30 ساعة، وتبادل الطرفان حينها الاتهامات بشأن خرقها.
الجهود الأمريكية لوقف حرب أوكرانيا
جاءت الخطوة الروسية الأخيرة في أعقاب اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأمريكي ماركو روبيو، ضمن جهود دبلوماسية تقودها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي هذا السياق، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، بريان هيوز، أن ترامب يرحب بالمبادرة الروسية، مشددًا على ضرورة التوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار، يفضي إلى حل سلمي نهائي للنزاع.
كما أكدت وزارة الخارجية الأمريكية، أن الوزير روبيو طالب نظيره الروسي خلال الاتصال بإنهاء الحرب فورًا، دون أن توضح مزيدًا من التفاصيل، فيما أشارت الخارجية الروسية إلى أن لافروف شدد على أهمية خلق ظروف مواتية لمفاوضات جادة، داعيًا إلى محادثات مباشرة بين موسكو وكييف دون شروط مسبقة.
مرسوم تفاوض أوكرانيا مع الرئيس الروسي
رغم ذلك، لا تزال فرص التفاوض المباشر محدودة، إذ أكد الكرملين انفتاحه على الحوار، إلا أن أوكرانيا تلتزم بمرسوم صادر في عام 2022 يمنعها من التفاوض مع الرئيس الروسي، وذلك في أعقاب إعلان موسكو ضم أربع مناطق أوكرانية بشكل غير شرعي، وهي الخطوة التي أدانها المجتمع الدولي ورفضتها الأمم المتحدة بوصفها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وفي تصريح مثير للجدل، قال لافروف، إن أي تسوية مستقبلية يجب أن تشمل نزع سلاح أوكرانيا، واجتثاث ما وصفه بـ"النازية"، والاعتراف الدولي بالمناطق الأربع التي ضمتها روسيا، إضافة إلى تعهد بعدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفقًا لصحيفة "أو جلوبو" البرازيلية.
وتتهم كييف، موسكو باستخدام الهدن المؤقتة كغطاء لإعادة تنظيم القوات ومحاولة تحقيق مكاسب ميدانية إضافية، داعية المجتمع الدولي إلى فرض ضغوط أكبر على روسيا لوقف عملياتها بشكل شامل، بينما ترى موسكو أن أوكرانيا غير مستعدة لتقديم تنازلات، وتصر على شروطها الخاصة لوقف إطلاق النار.