شهر ذي القعدة.. 3 أسباب وراء تسميته وأهميته في الإسلام

في كل عام، يتجدد الحديث عن الأشهر الهجرية، وتحديدًا شهر ذي القعدة، الذي يعد واحدًا من الأشهر الحرم الأربعة في الإسلام. وقد يتساءل الكثيرون عن سبب تسمية شهر ذي القعدة بهذا الاسم، وما هي المعاني والدلالات التاريخية والدينية وراء تلك التسمية؟ في هذا المقال، نستعرض أهم الأسباب التي جعلت هذا الشهر يحمل هذا الاسم المميز وأهمية هذا الشهر في حياة العرب والمسلمين.
اسم مرتبط بالسلام والهدوء
يحتل شهر ذي القعدة مكانة مميزة في التقويم الهجري، حيث يأتي في المرتبة الحادية عشرة، ويأتي مباشرة قبل شهر ذي الحجة، الذي يشهد أداء مناسك الحج. ومنذ العصور القديمة، اعتُبر شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم، التي يحرم فيها القتال والاعتداء على الآخرين، إعلاءً لقيمة السلام والاستعداد للعبادات الكبرى، مثل الحج.
السبب الأول: القعود عن القتال
أبرز الأسباب التي أدت إلى تسمية شهر ذي القعدة بهذا الاسم هو "القعود عن القتال"، فقد كان العرب قبل الإسلام يتسمون بكثرة الغارات والحروب بين القبائل، ولكن مع حلول شهر ذي القعدة، كانوا يتوقفون عن القتال احترامًا لقدسية هذا الشهر، ولهذا، ارتبط اسمه بفعل "القعود"، أي الامتناع عن الغزو والحروب، طلبًا للسلام والأمان.
وأكدت كتب التراث الإسلامي، ومنها "لسان العرب" لابن منظور، أن العرب أطلقوا اسم ذي القعدة نسبة إلى قعودهم عن السلاح والغزو، مما جعل هذا الشهر يرتبط عبر القرون بالهدوء والسكينة.
السبب الثاني: القعود عن السفر للتجارة أو الغزو
السبب الثاني الذي لا يعرفه كثيرون، ويتعلق بتسمية شهر ذي القعدة، هو توقف الناس عن السفر، سواء للتجارة أو الغزو، فقد كان هذا الشهر يشهد قعود القبائل في أماكنها، فلا يغادرون قراهم ولا يقومون بالرحلات التجارية المعروفة في باقي شهور السنة، وكانوا ينتظرون انتهاء الأشهر الحرم لاستئناف أنشطتهم، مما جعل ذي القعدة رمزًا للثبات والاستقرار.
وقد ذكر المؤرخون أن الأسواق الموسمية الكبرى، مثل سوق عكاظ، كانت تعقد خلال ذي القعدة، مما أتاح للعرب تبادل السلع والأدب والثقافة بعيدًا عن أجواء الحروب.
السبب الثالث: قعود الحجاج استعدادًا للحج
السبب الثالث الذي يجهله الكثيرون يرتبط بموسم الحج، فذي القعدة هو الشهر الذي يستعد فيه الحجاج لرحلتهم الكبرى إلى مكة، كانوا يقعدون في أماكنهم تجهيزًا للسفر إلى الحرم الشريف في ذي الحجة، وبذلك، أصبح ذي القعدة رمزًا لـ"القعود" استعدادًا للعبادة والطاعة، لا للتجارة أو القتال.
وتاريخيًا، كان الناس يعتبرون هذا الشهر بمثابة مرحلة للتهيؤ النفسي والجسدي قبل أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، مما أكسبه قدسية إضافية.
أهمية ذي القعدة في الإسلام
لا تقتصر أهمية ذي القعدة على اسمه ومعناه فقط، بل تتجاوزه إلى مكانته الدينية، فقد اختاره الله سبحانه وتعالى واحدًا من الأشهر الحُرُم، التي قال فيها عز وجل: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ... مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ" [التوبة: 36].
ويحث العلماء المسلمون على استثمار أيام ذي القعدة في الطاعات، مثل الصيام، وذكر الله، وقراءة القرآن، لأنها تُعد من أفضل الأوقات للتقرب إلى الله قبل موسم الحج.
عادات العرب في ذي القعدة
من العادات القديمة التي ارتبطت بشهر ذي القعدة أن العرب كانوا يحرصون على إيقاف القتال، وعقد المصالحات بين القبائل المتخاصمة، وكان هذا الشهر فرصة للتواصل الاجتماعي، وحل النزاعات، وتقوية الروابط القبلية.
كما كان الأدباء والشعراء يقيمون الأمسيات الشعرية الكبرى في الأسواق الشهيرة، مستغلين أجواء السلام التي تميز الشهر.
شهر السلام والاستعداد
في نهاية الأمر، يظهر لنا أن تسمية شهر ذي القعدة بهذا الاسم لم تأتِ من فراغ، بل كانت انعكاسًا لطبيعة الحياة العربية في تلك الفترة، فالقعود عن القتال والسفر، والقعود للاستعداد للحج، منحوا ذي القعدة طابعًا خاصًا يمزج بين السكينة والاستعداد الروحي.