خبير سودني عن زيارة البرهان: خطوة تأسيسية لبناء محور مصيري بين البلدين

يرى الخبير السوداني اللواء الدكتور أمين إسماعيل مجذوب، خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية، أن زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني إلى القاهرة لفتح مرحلة جديدة من العلاقات.
وأكد الخبير الاستراتيجي خلال تصريحاته لـ"نيوز رووم"، أن زيارة البرهان إلى القاهرة، تخرج عن المألوف، وتفتح أبواب مرحلة جديدة من العلاقات المصيرية بين السودان ومصر، مضيفًا: "زيارة تأتي بين نارين؛ نيران الحرب في السودان، وأتون التصعيد في فلسطين، تزامناً مع تحركات عربية مكثفة لرسم ملامح الاصطفافات القادمة".
الدلالات الخفية لزيارة البرهان إلى القاهرة
وشدد الخبير العسكري، على أن هذه الزيارة تختلف جوهريًا عن كل الزيارات السابقة، وأضاف: "تكتسب القمة العربية الطارئة بعدًا خاصًا كونها تمثل امتدادًا طبيعيًا لمخرجات اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية الذي انعقد الأسبوع الماضي، والذي كرّس مداولاته لقضيتين محوريتين: القضية الفلسطينية بتطوراتها الدراماتيكية في غزة، وقضية السودان بما تحمله من تهديد مباشر لوحدة واستقرار دولة عربية أساسية".
وتابع اللواء أمين إسماعيل مجذوب: "وقد شهد الاجتماع الوزاري إجماعًا واضحًا على مركزية القضيتين، حيث عبّر الوزراء عن دعمهم للحقوق الفلسطينية الثابتة، وأكدوا على أهمية الحفاظ على وحدة وسيادة السودان، ورفض التدخلات الخارجية في شؤونه".
ولفت إلى أن القمة الطارئة تأتي لترفع سقف الاهتمام السياسي إلى المستوى الرئاسي، من أجل اتخاذ قرارات حاسمة تترجم هذا الإجماع الوزاري إلى مواقف تنفيذية ومبادرات عملية، خصوصًا في ظل ما تتعرض له غزة من عدوان متواصل، وما يواجهه السودان من محاولات تفكيك خطيرة.
وأوضح أن مشاركة السُودان في القمة العربية الطارئة التي دعت لها مصر لمناقشة التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بمشاركة قادة وزعماء الدول العربية، مضيفًا: "ورغم أن الزيارة تأتي في إطار المشاركة بالقمة العربية، إلا أن خصوصيتها تتجاوز الإطار التقليدي للاجتماعات العربية، لتؤكد أن العلاقات السودانية المصرية تشهد لحظة فارقة وتحولاً نوعياً، خاصة مع ما سبق الزيارة من تحضيرات وزخم سياسي غير مسبوق، تمثل في لقاء السفير المصري بالخرطوم هاني صلاح مع الفريق أول البرهان لتسليمه دعوة رسمية باسم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وما تبع ذلك من زيارة عاجلة لمدير المخابرات المصرية إلى الخرطوم حاملاً رسالة خاصة من القيادة المصرية".
طابع استراتيجي للزيارة
وشدد الخبير الاستراتيجي، على أنه لأول مرة منذ اندلاع الحرب في السودان، يتم الإعلان مبكرًا عن تنسيق مباشر بهذا المستوى العالي بين الخرطوم والقاهرة، ويُصاغ للزيارة طابع استراتيجي واضح يتعدى حضور الاجتماعات إلى وضع أسس جديدة لعلاقة مصيرية تقوم على وحدة المصير والمصالح المشتركة.
وأشار إلى أن القراءة العميقة لهذه الزيارة تُظهر أننا أمام مقاربة استراتيجية مختلفة، حيث بدا واضحاً أن الملف الاقتصادي وإعادة الإعمار أصبح متقدماً على الملفات التقليدية، في مؤشر إلى وجود نوايا حقيقية لانتقال العلاقة بين البلدين من مرحلة التصريحات إلى مرحلة بناء مشروع تكاملي عملي، يستثمر حقائق الجغرافيا، ووحدة التحديات، وتشابك المصالح.
وأكد "مجذوب"، أن مصر لعبت دوراً محورياً منذ اندلاع الحرب عبر دعم الشرعية الوطنية السودانية والتمسك بوحدة السودان، تتحرك اليوم لمساندة السودان عبر دعم جهود إعادة بناء مؤسساته وتنشيط اقتصاده، بالتوازي مع تأمين الدعم السياسي الإقليمي والدولي له.
وتوقع أن تبحث القمة الثنائية بين البرهان والسيسي ملفات التعاون الاقتصادي والإعمار، خاصة مع التقدم الميداني الكبير الذي حققته القوات المسلحة السودانية مؤخراً، مما يتيح انطلاق خطط إسعافية لإصلاح البنى التحتية وإعادة الخدمات الأساسية للمواطنين واللاجئين العائدين.
كما يرى أن زيارة البرهان إلى القاهرة تكتسب بُعدًا سياسيًا واستراتيجيًا خاصًا في ظل تصاعد التهديدات التي تطال وحدة السودان. وتُدرك مصر أن انتصار الجيش السوداني وبقاء السودان موحدًا هو جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، وبالتالي فإن لحظة لقاء السيسي والبرهان في القاهرة، تحمل طابعًا مصيريًا يؤسس لترتيبات مستقبلية عميقة.
وأوضح الخبير العسكري، أن توقيت الزيارة عزز أهميتها، حيث جاءت عقب انتصارات نوعية للجيش السوداني على الميليشيا المتمردة، مما يفتح المجال أمام تعاون مصري سوداني فاعل في إعادة الإعمار وتثبيت الاستقرار الداخلي، مضيفًا: "السودان ومصر أمام اختبار تاريخي لصياغة محور استراتيجي قوي يتصدى لمحاولات التفكيك والاختراق، ويعيد صياغة معادلة الأمن الإقليمي في وادي النيل ومنطقة القرن الإفريقي".
وطالب "مجذوب" الخرطوم باتخاذ خطوات عملية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع القاهرة، أبرزها؛ إنشاء مجلس تنسيق استراتيجي مشترك يضم ممثلين عن الوزارات السيادية والأمنية والاقتصادية، بخطط عمل مفصلة ومواعيد محددة، بجانب التوقيع على وثيقة شراكة استراتيجية شاملة تشمل السياسة والأمن والاقتصاد وإعادة الإعمار.
كما طالب بتعزيز الحضور المشترك في المحافل الدولية لدعم الموقف السوداني سياسيًا واقتصاديًا، بناء دبلوماسية شعبية بين شعبي البلدين لدعم العلاقات الرسمية وتعزيزها قاعديًا، وتطوير آلية إعلامية مشتركة للتصدي للحملات السلبية وإبراز حقيقة الأوضاع في السودان ودور مصر.
وفي ختام تصريحاته الخاصة، قال "مجذوب": "ليست زيارة البرهان إلى القاهرة مجرد مشاركة في قمة عربية طارئة، بل هي خطوة تأسيسية نحو بناء محور مصيري جديد بين السودان ومصر، يتقاسم فيه "الرئيسان" مسؤولية إعادة صياغة المستقبل المشترك لشعبي وادي النيل، في مواجهة تحديات مرحلة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر".