عاجل

من محاولات تعطيل الملاحة في الخمسينيات لتصريحات ترامب..قناة السويس مطمع العالم

قناة السويس
قناة السويس

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالة من الجدل خلال الساعات القليلة الماضية، بعد تصريحاته بشأن مرور السفن الأمريكية العسكرية والتجارية عبر قناة السويس دون دفع أي رسوم، خاصة أن القناة التي تُعد من أهم المجاري المائية في العالم تخضع للسيادة المصرية الكاملة. 

وتعتبر العديد من دول العالم أن قناة السويس أهم مجرى مائي على الإطلاق، حيث إنها تُعد أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب، والأسرع للعبور من المحيط الأطلسي للمحيط الهادي، كما تحتفظ بمكانتها الرائدة في حركة التجارة العالمية في ظل العمل المستمر من الدولة على تطويرها، زيادة القدرة الاستيعابية للقناة، بجانب اختصار مدة العبور للنصف تقريبًا.

جذور فكرة قناة السويس

جذور فكرة قناة السويس حسبما أجمع المؤرخون هي لفرعون مصر سنوسرت الثالث، عندما فكر في شق قناة تربط البحر الأحمر بالمتوسط، من أجل توطيد التجارة وتيسير المواصلات بين الشرق والغرب، ولكن يعود التاريخ الفعلي للقناة بداية من فرمان الامتياز الأول، مرورًا بالعديد من الفرمانات وصولًا إلى عمليات الحفر يوم 25 أبريل 1859، وكان ضرب الفأس الأولى في أعمال الحفر في مدينة فرما "موقع بورسعيد حاليًا".

فرمان الامتياز الأول

في 30 نوفمبر 1854، صدر فرمان الامتياز الأول الذي منح فرديناند ديلسبس حق إنشاء شركة لشق قناة السويس، ونصت أبرز مواده على أن ديليسبس يجب أن ينشئ شركة ويشرف عليها، وأن مدير الشركة يُعين بمعرفة الحكومة المصرية، وأن مدة الامتياز 99 سنة تبدأ من تاريخ فتح القناة ثم تحل الحكومة محلها، وتحصل الحكومة سنويًا على 15% من صافي الأرباح، بجانب الاتفاق على رسوم المرور في القناة بين الخديوي والشركة، على أن تتساوى فيه كل الدول دون تفرقة.

فرمان الامتياز الثاني

في 5 يناير 1856، صدر فرمان الامتياز الثاني الذي تضمن على 23 مادة لتوضيح ما تضمنه الفرمان الأول، ولكن تؤكد مواده 14 و15 على حياد القناة.

الشركة العالمية لقناة السويس البحرية

في 15 ديسمبر 1858، تأسست الشركة العالمية لقناة السويس البحرية برأس مال يُقدر بـ200 مليون فرنك بما يُعادل 8 ملايين جنيه، مقسم على 400 ألف سهم قيمة كل منها 500 فرنك، وتم تخصيص عدد معين لكل الدول، وبلغ نصيب مصر 92136 سهمًا، فيما وصل نصيب إنجلترا والولايات المتحدة والنمسا وروسيا 85506 أسهم، إلا أنهم رفضوا رفضًا باتًا الاشتراك في الاكتتاب.

وبعد إلحاح من ديليسبس، اضطرت مصر لاستدانة مبلغ مالي يُقدر بـ28 مليون فرنك "1120000 جنيه" بفائدة كبيرة، من أجل العمل على إنجاح المشروع، ليصل إجمالي مجموع ما تملكه مصر إلى نصف رأس المال تقريبًا.

بداية عملية الحفر

في 25 أبريل 1859، بدأت عمليات الحفر في قناة السويس، وذلك على الرغم من اعتراضات إنجلترا والباب العالمي، وفي 18 نوفمبر عام 1862، تدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط في بحيرة التمساح، وبعد 10 سنوات، انتهت أعمال الحفر، عقب استخراج 74 مليون متر مكعب من الأتربة، وبتكلفة قُدرت بـ433 مليون فرنك "17320000 جنيه"، أي ضعف المبلغ الذي كان محددًا لإنجاز هذا المشروع الضخم.

حفل افتتاح أسطوري

وفي 17 نوفمبر 1869، تلاقت مياه البحرين المتوسط والأحمر في 18 أغسطس 1869، وتألف منها شريان الملاحة العالمية، وظهرت قناة السويس إلى النور في حفل أسطوري، يوم 17 نوفمبر من العام ذاته، بحضور 6 آلاف مدعو يتقدمهم؛ زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، الإمبراطورة أوجينى، إمبراطور النمسا، ملك المجر، ولى عهد بروسيا، شقيق ملك هولند ، الأمير توفيق ولى عهد مص ، الكاتب النرويجى الأشهر هنريك إبسن، الأمير طوسون نجل الخديوي الراحل سعيد باشا ونوبار باشا وغيرهم.

وفي يوم الافتتاح، عبرت السفينة "إيغيل" وعلى متنها كبار المدعوين، تتبعها 77 سفينة منها 50 سفينة حربية، وبمناسبة الاحتفالات أُقيمت العديد من الاحتفالات والمهرجانات الضخمة التي كلفت الخديوي إسماعيل حوالي مليون ونصف المليون جنيه.

قناة السويس من الافتتاح وحتى اتفاقية القسطنطينية

في 15 فبراير 1875، اشترى رئيس الوزراء البريطاني، دزرائيلى 176602 سهماً مقابل مبلغ 3.976.580 جنيه إنجليزي، ما يُعادل 44% من الأسهم، فيما كانت تحصل مصر على 31% من مجموع الأرباح، وفي 17 أبريل 1880، تنازلت الحكومة للبنك العقاري الفرنسي عن حقها في 15% من ربح الشركة مقابل 22 مليون فرنك، لتُصبح الشركة بين السيطرة الفرنسية والإنجليزية.

بين شهري مايو وسبتمبر 1882، استولى الجيش البريطاني على مرافق الشركة خلال فترة احتلال الإنجليزي لمصر، وتم إيقاف حركة المرور في قناة السويس لفترة مؤقتة، قبل أن يصرح لورد جرانفيلد، في 3 يناير 1883، أن الحكومة الإنجليزية تريد سحب الجيش من مصر، واقترح تنظيم وضع القناة بموجب اتفاقية تبرم بين الدول الكبرى، في 30 مارس 1885، قامت لجنة دولية في باريس بوضع وثيقة لضمان حرية الملاحة في القناة في أي وقت ولجميع الدول، ولكن لم يتم التوصل لاتفاق بشأن الوثيقة.

وفي 29 أكتوبر 1888، تم التوصل إلى اتفاق القسطنطينية، بين فرنسا والنمسا والمجر وإسبانيا وإنجلترا وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا، وبمقتضى هذه الاتفاقية تم وضع نظام نهائي لضمان حرية الملاحة في قناة السويس، وارتباطًا بمسألة احترام مصر لاتفاقية القسطنطينية بعثت في 17 يوليو 1957 برسالة إلى محكمة العدل الدولية، يبلغها أن مصر قد قبلت الولاية الجبرية للمحكمة طبقاً لأحكام المادة 36 من القانون الأساسي لهذه المحكمة بالنسبة للمنازعات المتعلقة بقناة السويس.

تأميم قناة السويس

في 26 يوليو 1956، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر في خطاب تاريخي من الإسكندرية عن قرار تأميم قناة السويس، وجاء نص المادة الأولى، كالتالي: "تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية) وتنقل إلى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل الهيئات واللجان القائمة حالياً على إدارتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكون من أسهم وحصص بقيمتها مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية في باريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤمم"، وفي الأول من يناير 1963، أوفت مصر بجميع الالتزامات وسددت التعويضات.

هجمة استعمارية لتعطيل الملاحة ورد مصري

وبعد قرار التأميم، تعرضت مصر لهجمة استعمارية بدأت بالتضييق على الاقتصاد المصري عندما انسحب المرشدون والفنيون الأجانب من العاملين في القناة، من أجل تعطيل حركة الملاحة وعرقلة سير العمل لإحراج الدولة المصرية، إلا أن معدن المصريين دائمًا ما يظهر في الأوقات الصعبة، ونجح المرشدون المصريون بمعاونة البعض من الدول الصديقة لتسيير الملاحة بانتظام عقب يومين فقط من الأزمة، وعبرت 36 سفينة يوم 16 سبتمبر، و35 سفينة في اليوم التالي.

وتوالت الأحداث حتى انتهت بشن العدوان الثلاثي على مصر، والذي استمر من 31 أكتوبر وحتى 22 ديسمبر 1956، ليتسبب في غلق قناة السويس، لتخوض البلد بأكملها معركة قوية تكللت بالانتصار يوم 23 ديسمبر، واستأنفت حركة الملاحة في القناة مجددًا يوم 29 مارس 1957.

بعد عودة الملاحة في قناة السويس، بدأت الهيئة اعتبارًا من الأول من يناير 1958 في تنفيذ المرحلة الأولى من "مشروع ناصر" لزيادة القطاع المائي من 1250 متراً مربعاً إلى 1800 متر مربع، وزيادة الغاطس المسموح به للسفن العابرة من 35 قدماً إلى 37 قدمًا.

إعادة افتتاح قناة السويس

في 5 يونيه 1967، توقفت الملاحة في قناة السويس بسبب العدوان الإسرائيلي واستمر هذا الوضع حتى أعلن الرئيس محمد أنور السادات في خطاب تاريخي بمجلس الشعب، يوم 29 مارس 1975، عن إعادة فتح القناة، وأعيد افتتاح الملاحة العالمية في القناة، 5 يونيو، وعبرت ناقلة البترول العملاقة الليبيرية "اسوسكانديا" التي تبلغ حمولتها القصوى 254 ألف طن، يوم 31 أكتوبر 1976، لتكون الأكبر منذ حفر القناة، في 1979، تم بداية حفر تفريعة التمساح، وافتتحت عام 1980.

توسيع المجرى الملاحي وتعميقه

منذ افتتاح قناة السويس كان طولها 164 كيلو مترًا، وعرضها عند مستوى سطح المياه 52 مترًا وعمقها 7 أمتار ونصف متر، وكان غاطس السفن المسموح به للعبور لا يزيد عن 22,5 قدمًا وكانت الملاحة لا تتم إلا نهارًا، قبل أن تُدخل الشركة نظام الملاحة الليلية، في مارس 1887، وعملت الشركة على التطوير باستمرار منذ قرار التأميم.

واستمرت الإدارة المصرية في مشروعات التطوير حتى بلغت حمولة السفينة المسموح بعبورها 210 ألف طن بكامل حمولتها، ووصل الغاطس إلى 62 قدمًا ومساحة القطاع المائي إلى 4800 متر مربع وطول القناة إلى 191.80 كم في عام 2001، فيما وصل غاطس السف في 2010 إلى 66 قدمًا، ليستوعب جميع سفن الحاويات حتى حمولة 17000 حاوية تقريبًا بالإضافة لعبور جميع سفن الصب من جميع أنحاء العالم.

تم نسخ الرابط