العلاقات المصرية اليونانية.. شراكة استراتيجية تعبر التاريخ وتستشرف المستقبل

في ظل تحديات إقليمية ودولية متصاعدة، تواصل العلاقات المصرية اليونانية ترسيخ مكانتها كإحدى أبرز الشراكات الاستراتيجية في منطقة شرق المتوسط، في مسار يعبر عن إرادة سياسية قوية من جانب البلدين لتوسيع آفاق التعاون وتعزيز المصالح المشتركة، بما يتجاوز الأطر التقليدية إلى شراكة متعددة الأبعاد تمتد إلى السياسة والاقتصاد والطاقة والثقافة والأمن.
تاريخ من التقارب وصداقة راسخة
ليست العلاقات بين مصر واليونان وليدة اللحظة، بل تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، إذ تعود إلى عصور الحضارات القديمة، حين امتزجت الثقافتان المصرية واليونانية، وازدهرت التبادلات التجارية والفكرية بين ضفتي المتوسط. ومع تطورات العصر الحديث، اكتسبت هذه العلاقة طابعًا سياسيًا واقتصاديًا متجددًا، توجته قفزات نوعية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عام 2014، وإطلاقه سياسة خارجية نشطة تستند إلى تنويع الشراكات وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
تعاون سياسي متين وتحالفات إقليمية
على الصعيد السياسي، شهدت العلاقات المصرية اليونانية نموًا مطردًا تجسد في تبادل الزيارات الرسمية على أعلى المستويات، وتنظيم القمم الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص منذ عام 2014، حيث تستضيف الدول الثلاث هذه القمم بالتناوب، ما يعكس عمق التنسيق والتشاور المشترك في الملفات الإقليمية والدولية.
وقد برز هذا التعاون جليًا في مواجهة التهديدات الأمنية بالمنطقة، سواء في ظل التوترات شرق المتوسط بشأن حقوق الغاز والطاقة، أو في التعامل مع تداعيات الحرب في غزة، والمخاطر المتزايدة على حركة الملاحة في البحر الأحمر. وتحرص القاهرة وأثينا على توحيد الرؤى لدعم الاستقرار الإقليمي، عبر تنسيق المواقف داخل المحافل الدولية، خصوصًا مع عضوية اليونان الحالية بمجلس الأمن للعامين 2025–2026، ما يفتح آفاقًا جديدة أمام الشراكة الثنائية في الدفاع عن قضايا المنطقة.
شراكة اقتصادية واعدة وفرص استثمارية كبرى
يمثل التعاون الاقتصادي بين مصر واليونان ركيزة مهمة من ركائز العلاقات الثنائية، مع تنامي التبادل التجاري بين البلدين وتزايد الاستثمارات اليونانية في السوق المصرية، التي تعد أحد أكبر الأسواق في الشرق الأوسط وأفريقيا. وتُعد مصر بالنسبة لليونان بوابة استراتيجية نحو العمق الأفريقي والعربي، فيما تمثل أثينا للقاهرة نافذة محورية للانفتاح على الاتحاد الأوروبي.
وتسعى الدولتان إلى تعزيز تعاونهما في مجالات الطاقة التقليدية والمتجددة، خاصة مع تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة وإسالة الغاز الطبيعي، وعضويتها النشطة في منتدى غاز شرق المتوسط. كما يعد مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان أحد أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تستهدف تأمين مصادر الطاقة المستدامة وتعزيز الربط بين شبكات الكهرباء الأوروبية والأفريقية.
تنسيق أمني وعسكري لمواجهة التحديات
في ضوء تصاعد التهديدات الأمنية والهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، كثفت القاهرة وأثينا من تعاونهما الأمني والعسكري، عبر تدريبات مشتركة وتبادل المعلومات والتنسيق اللوجستي. وتُعد اليونان من الدول الأوروبية التي تقدر الدور المصري الفعال في وقف موجات الهجرة غير النظامية منذ عام 2015، إلى جانب الجهود المصرية في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.
البعد الثقافي والتقارب الإنساني
لا يمكن الحديث عن العلاقات المصرية اليونانية دون الإشارة إلى البُعد الثقافي والإنساني الذي يضفي على هذه العلاقات طابعًا فريدًا. إذ تربط شعبي البلدين علاقات ممتدة تعززها الروابط الحضارية والتاريخية، إضافة إلى وجود جالية يونانية قديمة في مصر، لعبت دورًا مهمًا في إثراء الحياة الاقتصادية والثقافية على مدار عقود. ولا تزال فعاليات التبادل الثقافي بين القاهرة وأثينا مستمرة، عبر المعارض والأنشطة الفنية والبرامج الأكاديمية المشتركة.
مستقبل واعد وتحالفات أوسع
في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، تواصل مصر واليونان العمل على تطوير شراكتهما الاستراتيجية لمواكبة تحديات المستقبل، مع التطلع إلى توسيع مجالات التعاون لتشمل الابتكار التكنولوجي، والتحول الرقمي، والتعليم، والسياحة المستدامة.
ويعكس هذا المسار المتصاعد إدراك البلدين لأهمية العمل المشترك لمواجهة التحديات العابرة للحدود، من أزمات اللاجئين إلى تداعيات التغير المناخي، فضلاً عن دعم الجهود الرامية إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات الممتدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويتجه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الأسبوع الأول من مايو إلى زيارة اليونان، تبدو هذه الزيارة محطة محورية جديدة في مسيرة العلاقات الثنائية، بما تحمله من رسائل سياسية واقتصادية واضحة مفادها أن مصر واليونان ماضيتان بثبات نحو بناء تحالف استراتيجي يعزز الأمن والاستقرار والتنمية في شرق المتوسط وما وراءه.