قبيل انطلاق الانتخابات العامة في البلاد
استطلاع: الكنديون «يكرهون ترامب» ويرون أمريكا «قوة مُعادية»

كشف استطلاع رأي حديث أجرته صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يهيمن على المشهد الانتخابي في كندا، الأمر الذي عزز من موقف مارك كارني والحزب الليبرالي، في ظل انقلاب واضح للكنديين على الولايات المتحدة.
وأظهر الاستطلاع أن ثلاثة أرباع الكنديين «يبدون كراهية واضحة تجاه ترامب»، وهو ما يتوقع أن يلقي بظلاله الثقيلة على المحافظين خلال انتخابات يوم الاثنين المقبل.
ووفقًا لما توصلت إليه شركة «فوكالداتا» البريطانية المتخصصة في استطلاعات الرأي، أفاد حوالي 39% من الناخبين بأن ترامب يُعد مصدر قلق رئيسي لهم خلال هذه الانتخابات، ليأتي هذا الهمّ مباشرة بعد مسألة تكلفة المعيشة التي تصدرت بنسبة 60%.

الكنديون يكرهون ترامب
ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض وخروج جاستن ترودو، من المشهد السياسي، تعرض حزب المحافظين بقيادة الشعبوي بيير بواليفير، لانهيار كبير في شعبيته، حيث فقد تقدمًا في استطلاعات الرأي كان قد بلغ 25 نقطة لصالحه، وهو الآن متأخر خلف الليبراليين وفقًا لأحدث البيانات، بما في ذلك الاستطلاع الحالي.
وتحولت الانتخابات الكندية إلى ساحة اختبار حقيقية لمدى تأثير ترامب السياسي خارج حدود بلاده. وفي ظل تهديداته المستمرة وحروبه التجارية، يعتبر حوالي نصف الكنديين الولايات المتحدة اليوم «قوة معادية» وهو تحول لافت بين الأوساط المعتدلة والليبرالية في كندا.

وفي مقابلة مع مجلة «تايم» نُشرت الجمعة، كرر ترامب رغبته في ضم كندا إلى الولايات المتحدة، قائلاً: «الطريقة الوحيدة لنجاح هذا الأمر هي أن تصبح كندا ولاية (أمريكية)».
وقد رصد الاستطلاع، الذي شمل 2826 مشاركًا عبر الإنترنت بين 18 و23 أبريل، صافي تأييد سلبي لترامب بلغ -61 نقطة بين الكنديين، وهو ما وصفه الاستطلاع بأنه «موقف سلبي للغاية» من شأنه أن يؤثر سلبًا على أداء المحافظين.
انتخابات كندا «حكمة الجماهير»
يستند مارك كارني في حملته الانتخابية إلى خبراته الواسعة في قيادة بنك كندا وبنك إنجلترا، مقدمًا نفسه كأكثر الشخصيات كفاءة للدفاع عن كندا في مواجهة ترامب.
وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن الناخبين يوافقونه الرأي، معتبرين إياه الأنسب لإدارة علاقة البلاد بالولايات المتحدة مقارنة ببيير بواليفير.
وقال كارني عقب أدائه اليمين رئيسًا للوزراء الشهر الماضي: «أنا والرئيس ترامب.. لدينا بعض الخبرات المشتركة. فقد عملتُ في القطاع الخاص، وخضتُ صفقات عقارية كبيرة، كما تواصلتُ معه خلال رئاسته الأولى خلال قمتي العشرين والسبع».

ومع بقاء يومين فقط على موعد الانتخابات، يبقى السؤال المطروح: هل حسم كارني المعركة الانتخابية لصالحه؟
هناك بعض المؤشرات التي تفيد بأن استطلاعات الرأي قد تكون قللت من تقدير حجم الدعم للمحافظين. فعندما طرحت فوكالداتا سؤالاً على الناخبين عن الحزب الذي يعتقدون أن مجتمعهم المحلي سيصوت له، بدا أن المحافظين يحظون بأداء أفضل نسبيًا.
وأوضح جيمس كاناجاسوريام، كبير الباحثين في «فوكالداتا»، أن الاعتماد على «حكمة الجماهير» أثبت دقته في استحقاقات كبرى مثل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخابات ترامب في 2016.
وقال: «تشير النتيجة إلى تقدم المحافظين في التصويت، ووجود هامش خطأ كبير في الاستطلاعات التقليدية». لكنه أشار إلى أن تقييم أهمية هذه النتيجة يبقى صعبًا لأن الشركة استخدمت هذا الأسلوب لأول مرة في كندا.
وأضاف: «رغم أن استطلاعات الرأي التقليدية تُظهر تقدمًا طفيفًا لكارني (بما في ذلك استطلاعنا)، إلا أن الطريقة البديلة ترسم مشهدًا مغايرًا تمامًا».

استطلاع رأي: الليبراليون والمحافظون
ويمنح الاستطلاع الليبراليين بقيادة كارني الأفضلية في آخر عطلة نهاية أسبوع قبل الانتخابات بعد حملة انتخابية استمرت 37 يومًا. فقد حصل الليبراليون على دعم بنسبة 40.5% على مستوى البلاد، مقابل 37.5% للمحافظين بقيادة بواليفير.
كما سجل الليبراليون تقدمًا بفارق 9 نقاط مئوية في أونتاريو ذات الأهمية الخاصة (46% مقابل 37%)، وتفوقوا كذلك في كيبيك بنسبة 38% مقارنة بـ28% لحزب الكتلة الكيبيكية و22% للمحافظين. أما في مقاطعات الغرب الكندي، فيتقدم المحافظون، بما في ذلك تفوقهم بفارق 8 نقاط (42% مقابل 34%) في كولومبيا البريطانية.
وفي المقابل، يحل الحزب الديمقراطي الجديد بقيادة جاجميت سينج في المرتبة الرابعة بنسبة تأييد 10.7% على الصعيد الوطني. كما أظهر الاستطلاع أن نسبة الدعم الحازم (الناخبين الذين حسموا خيارهم) بلغت 58% للحزب الديمقراطي الجديد، مقابل 71% للمحافظين و68% لليبراليين.

وساعد كارني نجاحه في إقناع شريحة واسعة من الناخبين بأنه مختلف عن جاستن ترودو، رغم محاولات بواليفير إلصاق هذه الصورة به. ووفقًا للاستطلاع، يرى 46% من الناخبين أن كارني يمثل توجهًا مختلفًا عن قيادة ترودو، مما يعزز من فرصه الانتخابية.
ويعاني ترودو من تدهور شعبيته، حيث يحمل ما يقارب 60% من الكنديين مواقف سلبية تجاهه.
ويتماشى استطلاع «فوكالداتا» -الذي يُظهر تقدمًا طفيفًا لليبراليين- مع ما كشفته غالبية استطلاعات الرأي الوطنية في هذه المرحلة المتقدمة من الحملة. كما تكشف نظرة فاحصة إلى تقييمات التأييد الشخصي أن كارني يتمتع بصافي تأييد إيجابي بلغ 10 نقاط، في حين حصل بواليفير على صافي تأييد سلبي قدره 7 نقاط.
التضخم وتكاليف المعيشة
ويعزى ذلك جزئيًا إلى قبول كارني بين أنصار الحزبين، إذ يحظى بتفضيل أعلى نسبيًا بين الليبراليين (86%) مقارنةً بتأييد المحافظين لبواليفير (84%). كما أن المحافظين أقل كراهيةً لكارني (65%) مقارنةً بكراهيتهم لبواليفير (74%).
أما ترامب، فلا يحظى بالشعبية لدى أي من الأطراف؛ إذ تبين أن ثلاثة من كل خمسة من أنصار المحافظين ينظرون إليه بسلبية.
وكان بواليفير قد تولى قيادة حزب المحافظين في 2022، وركز في حملته على فكرة أن "كندا تنهار"، وهو شعار وجد صداه لدى الكنديين في البداية، قبل أن تثير سياسات ترامب موجة جديدة من الوطنية أثرت سلبًا على دعم المحافظين.
ويُظهر الاستطلاع أن المحافظين لا يزالون يتقدمون بفارق ضئيل في ملف تكلفة المعيشة، لكن كارني يهيمن على قضايا أخرى مثل الهجرة عبر الحدود.
ويتفق كل من الليبراليين والمحافظين على أن التضخم وتكاليف المعيشة من أبرز القضايا، لكن الفارق يظهر عند الحديث عن ترامب: فقد صنف 52% من الليبراليين علاقة كندا بالولايات المتحدة من أهم القضايا، مقابل 27% فقط من المحافظين الذين شاركوهم هذا الرأي.

من جهة أخرى، اعتبر الليبراليون الرعاية الصحية أولوية ثالثة، بينما وضعها المحافظون رابعًا، مباشرة بعد قضية القدرة على تحمل تكاليف السكن. وعلى صعيد المخاوف الأخرى، أظهر الاستطلاع أن المحافظين أكثر قلقًا من الليبراليين إزاء الهجرة والجريمة والسلامة العامة.
ورغم ميل الناخبين لدعم أحزابهم في مختلف القضايا، إلا أن بعض الفروقات الواضحة كشفت نقاط القوة والضعف لدى كل من كارني وبواليفير.
فعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بإدارة علاقة كندا مع ترامب والولايات المتحدة، يكاد يكون الإجماع بين الليبراليين أن كارني هو الخيار الأمثل. ومع ذلك، اعترف واحد من كل ثمانية محافظين بأن كارني والحزب الليبرالي قد يديران العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل أفضل.
وفي المقابل، رأى 8% من الليبراليين أن بواليفير قد يكون أفضل في تحسين فرص العمل والاقتصاد، واعتبر عدد منهم أيضًا أن بواليفير قد يدير ملفات الهجرة والجريمة بشكل أنجح. فيما صرح 45% من الناخبين أن تصرفات ترامب أثرت على خياراتهم الانتخابية بدرجة "«معتدلة» أو «كبيرة»، مع وجود انقسام حزبي واضح.
فالناخبون الليبراليون كانوا أكثر تأثرًا بترامب عند اتخاذ قرار التصويت، حيث قال 53% منهم إن تصرفاته كان لها تأثير كبير، مقابل 25% فقط من الناخبين المحافظين. وينسحب هذا الانقسام أيضًا على النظرة العامة إلى الولايات المتحدة؛ إذ يرى نحو ثلثي الليبراليين (64%) أن الولايات المتحدة إما "عدو أو معادٍ" أو "غير ودودة عمومًا"، مقابل 19% فقط يرونها «حليفًا أو ودودًا بشكل عام».
أما بين المحافظين، فقد اعتبر 40% الولايات المتحدة «حليفًا» أو «ودودًا»، بينما رأى 34% أنها «عدو» أو معادٍ».
وفي المجمل، يرى حوالي نصف الكنديين (49%) أن الولايات المتحدة أصبحت "غير ودودة" أو "عدواً"، في تقييم سلبي يتفوق حتى على النظرة السائدة تجاه الصين، التي تعاني علاقاتها مع كندا من جمود دبلوماسي طويل.