الصين - روسيا
«جنود مرتزقة وذخائر» كيف تؤجج الصين الحرب الروسية الأوكرانية؟

في تقرير نشرته صحيفة "التليجراف" البريطانية، كشف عن مزاعم أوكرانية عن دور الصين في إشعال الحرب الروسية على أراضيها.
ويأتي التقرير في أعقاب إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اعتقال مواطنين صينيين يقاتلان لصالح روسيا في أوكرانيا.
كيف تؤجج الصين الحرب الروسية الأوكرانية؟
في صيف عام 2023، كانت القوات الأوكرانية منشغلة بحفر الخنادق بعنف وسط نيران الروس الكثيفة في غابات الصنوبر المحيطة بمدينة كريمينا. وفجأة، دوى انفجار صاروخي بالقرب منهم، فما كان من زخار، رقيب في القوات الخاصة، إلا أن صرخ بأمرٍ عاجل لجنوده بالانسحاب نحو المركبة المدرعة.
ورغم أن هذا القرار كان محبطًا من الناحية التكتيكية، إلا أنه منح زخار فرصة لتفقد أحدث ما غنمه من أرض المعركة. وبينما كان يتفحص صندوقين عثر عليهما، لفتت نظره علامات لم تكن روسية، بل صينية بشكل واضح.
والمثير في الأمر أن الذخيرة التي احتواها الصندوقان كانت من عيار 60 ملم، وهو نوع لا تنتجه روسيا، وإنما يُعرف بأنه من تصنيع صيني.
وهذا الاكتشاف كان من بين سلسلة من الأدلة التي راكمتها أوكرانيا، بعد عامين من جمع الذخائر وفحصها إلى جانب تحقيقات عبر المصادر المفتوحة، والتي تشير بوضوح إلى أن الصين تزود الجيش الروسي بالسلاح منذ فترة، ليس فقط من خارج أراضيها، بل من داخلها أيضًا.

تصريحات الرئيس الأوكراني
صرح الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، قائلًا: "أعتقد أننا سنتمكن خلال الأسبوع المقبل من تقديم تفاصيل تُثبت تورط ممثلين صينيين في إنتاج بعض الأسلحة داخل الأراضي الروسية."
وبالرغم من نفي بكين تقديمها لأي دعم عسكري مباشر لروسيا، مدعيةً أنها لا تملك السيطرة على عمليات إعادة بيع الذخائر من قبل دول ثالثة. إلا أن الحجة بدأت تنهار تدريجيًا خلال عام 2023، خاصة بعد تسريبات "ديسكورد" التي كشفت أن بكين وافقت سرًا على تصدير مواد ذات استخدام مزدوج - تُستخدم في الصناعات المدنية والعسكرية على حد سواء - بشرطين: الحفاظ على السرية، وإخفاء المواد تحت غطاء التجارة المدنية.
ومؤخرًا، أعلن زيلينسكي، عن توقيف أول مواطنين صينيين يقاتلان في صفوف روسيا داخل أوكرانيا. ورغم ادعاءاتهما بأنهما مرتزقة لا يعملان لصالح الدولة الصينية، إلا أن جرأة المجندين الروس في استهداف المواطنين الصينيين تشير إلى احتمال وجود دعم منسق بين موسكو وبكين.
وأكد زيلينسكي أن بحوزته بيانات شخصية لـ163 مواطنًا صينيًا آخر يُعتقد أنهم يخدمون في وحدات روسية. وكانت صحيفة التلجراف قد حاولت التواصل مع السلطات الأوكرانية للوصول إلى هؤلاء المعتقلين، بالإضافة إلى الألوية التي ألقت القبض عليهم، لكن تم رفض الطلب.

الصين ودورها الفعال في الصراع العالمي
من منظور كييف، لم تعد الصين دولة محايدة منذ زمن، بل أصبحت طرفًا فاعلًا في الحرب، وإن كان صامتًا. وبالنسبة للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تمثل الصين العدو الرئيسي الذي يجب القضاء عليه.
وفي سعيها لكسب المزيد من الدعم الغربي، تراهن أوكرانيا على استخدام بكين كورقة ضغط سياسية، خاصة إذا ما اعتُبرت مصدر القلق الأكبر للولايات المتحدة، الأمر الذي قد يُحولها إلى ورقة رابحة في يد كييف.
ولكن تقديم أدلة دامغة على أن الصين تُمكن روسيا من تجاوز العقوبات باستخدام مواد ذات استخدام مزدوج، يبقى أمرًا بالغ الأهمية.
ويقول يوري بويتا، رئيس قسم آسيا في شبكة الأبحاث الأوكرانية NGRN : "الصين قادرة على نقل هذه المواد بشكل مباشر – سواء جوًا أو برًا أو بحرًا"، مشيرًا إلى أنه يتم إخفاء المواد ذات الاستخدام المزدوج داخل حاويات شحن بموجب قوانين التجارة العادية، ومن المرجح أن تلك الشحنات تصل مباشرة من الصين وليس عبر وسطاء.
ومن بين أبرز الأمثلة على هذا النوع من المواد، يبرز النيتروسليلوز، وهو مركب كيميائي يشبه القطن لكنه يشتعل بسرعة، مما يجعله ضروريًا لتوليد الضغط اللازم لإطلاق القذائف المدفعية الحديثة.
ورغم العقوبات، فقد ارتفعت واردات روسيا من هذا المركب بنسبة 70% خلال عام 2022، لتصل إلى ما يقارب ضعف الكمية التي كانت تُستورد قبل الحرب، في عامها الثاني.

اتهامات الصين
اتهام الصين بتوفير هذا المركب ليس بالأمر السهل. ففي عام 2023، تم تمرير نحو نصف هذه الواردات عبر شركة تركية قامت بشرائها من ألمانيا والولايات المتحدة وتايوان، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
وكانت شبكات الوسطاء هذه تجعل ملاحقة الأطراف المتورطة أمرًا بالغ التعقيد. ولم تتم إضافة النيتروسليلوز إلى قوائم العقوبات الغربية إلا في ديسمبر 2023، مما أدى إلى تقليص فرص موسكو في الحصول عليه.
ومع ذلك، وجدت روسيا سُبلًا للتحايل، مستفيدة من حقيقة أن هذا المركب يُستخدم على نطاق واسع في صناعات الطلاء والحبر، مما أتاح لها استيراده بطرق قانونية تحت مظلة الاستخدام المدني.
السلع الصينية التي تدعم الحرب الروسية
في عام 2024، صدر تقرير عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) حدد ثلاث فئات رئيسية من السلع الصينية التي تدعم الحرب الروسية: الدوائر الإلكترونية، والأنظمة المتخصصة، والمكونات الصناعية. وهذه السلع تُترجم ميدانيًا إلى عناصر حيوية مثل أنظمة التوجيه، والذخائر، والمعدات المدرعة.
وقد سجل التقرير زيادة لافتة في استخدام الرقائق الدقيقة الصينية في تصنيع الصواريخ الذكية، وأنظمة الرادار، والطائرات بدون طيار. كما تم توثيق شحنات من وحدات تحديد المواقع (GPS)، ومعدات اتصالات، ومحامل كريات – وهي مكونات تُستخدم في كل شيء من السيارات والغسالات إلى الدبابات ومدافع الهاوتزر.

وبحلول أواخر عام 2023، قفزت صادرات الصين من محامل الكريات إلى روسيا بنسبة 345% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، وهو ما يعكس الزيادة الكبيرة في إنتاج الدبابات الروسية. ويبدو أن هذا النمط يتكرر اليوم مع كابلات الألياف الضوئية وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار، التي تواصل إلحاق خسائر فادحة بالقوات الأوكرانية.
وفي كل مرة ترتفع فيها الأرقام التجارية بشكل غير مبرر، تُلاحظ زيادة في القدرات العسكرية الروسية. ووفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن الصين تزود روسيا بحوالي 80% من المواد ذات الاستخدام المزدوج التي تحتاجها في حربها ضد أوكرانيا.