علي جمعة: العلوم العقلية جزء أصيل من التراث الإسلامي

في طرح علمي وفكري متزن، شدد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، على أهمية العلوم العقلية في البناء المعرفي الإسلامي، منتقدًا محاولات التهميش أو الإلغاء التي طالت بعض هذه العلوم في فترات تاريخية مختلفة.
بين الإفراط والتفريط
في حديثه عبر بودكاست "مع نور الدين" على قناة "الناس"، قال الدكتور جمعة إن هناك تيارات متشددة تهاجم العلوم العقلية بدعوى أنها أضعفت الحراك العلمي الإسلامي، في حين تدعي تيارات أخرى أن علماء الإسلام أهملوا هذه العلوم، ما أعاق التنوير. وأوضح أن هذه الرؤى المتناقضة تعكس غياب الفهم العميق لطبيعة التراث العلمي الإسلامي، الذي كان بطبيعته توليفيًا ومتوازنًا.
استعرض جمعة تجربته الشخصية في الدراسة بالأزهر، مشيرًا إلى أن المؤسسة الدينية العريقة لم تكن تفرق بين العلوم النقلية والعقلية، بل درّست المنطق إلى جانب أصول الفقه، وربطت بين البلاغة والفكرمشيرًا إلى مشايخه الذين أثّروا في تكوينه العلمي، قائلًا: "الشيخ شمس علّمني المنطق، والشيخ شيخون علّمني البلاغة، والشيخ أبو النور زهير شرح لنا أصول الفقه وكأنها تنبع من روحه".
المنطق والبلاغة
اعتبر الدكتور علي جمعة أن البلاغة والمنطق متداخلان بطبيعتهما، مشبهًا البلاغة بعقل المنطق، حيث يساهم كلاهما في ضبط التفكير وتنظيمه، مضيفًا أن القول بأن العلوم العقلية تقسي القلب هو ادعاء لا يستند إلى دليل علمي أو شرعي، بل هو نتاج لتوجهات فكرية ضيقت على هذه العلوم حتى تم إيقاف تدريسها في الأزهر لفترة من الزمن، معتبرًا ذلك خطأ تاريخيًا.
استشهد جمعة بقول الإمام الزركشي: "من العلوم ما نضج واحترق"، مؤكدًا رفضه لهذا المفهوم، موضحًا: "لا يوجد علم يحترق أو ينتهي، العلم مستمر من المحبرة إلى المقبرة"، مؤكدًا أن الحضارة الإسلامية عُرفت بتوليد العلوم وابتكار مناهج جديدة، وأن فترات ما يُسمى بالجمود، كالعصور الثامنة والتاسعة الهجرية، شهدت في الحقيقة تطويرًا للمناهج وتوسعًا في الشروح والحواشي، وهي إضافات علمية وليست تراجعًا.
برنامج على نور الدين
رفض إلغاء العلوم
وفي ختام حديثه، انتقد الدكتور جمعة قرارات إدارية سابقة أدت إلى إلغاء تدريس بعض العلوم مثل "علم الهيئة" و"علم الوضع"، مشددًا على أهمية الحفاظ على جميع فروع المعرفة الإسلامية، مشددًا: "أنا ضد إلغاء أي علم، لأننا إذا تركناه نُسِي، وتكونت فجوة معرفية بيننا وبين مفاهيمه"، داعيًا إلى مراجعة السياسات التعليمية لتعزيز التكامل بين العلوم الشرعية والعقلية، بما يخدم مستقبل الفكر الإسلامي ويستعيد بريقه الحضاري.