دراسة علمية تكشف: ضغط الدم قد يشكل خط الدفاع الأول ضد الخرف

في خطوة بحثية وُصفت بأنها "نقطة تحول" في فهم وتوجهات الوقاية من الأمراض العصبية، كشفت دراسة حديثة نشرتها مجلة Nature Medicine أن ضبط ضغط الدم المرتفع يمكن أن يسهم بشكل فعّال في تقليل خطر الإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 15%، وذلك خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا لا تتجاوز الأربع سنوات.
وتكتسب هذه النتائج أهمية مضاعفة بالنظر إلى أنها جاءت ضمن واحدة من أضخم الدراسات في هذا المجال، حيث شملت ما يقارب 34 ألف شخص من البالغين الذين تجاوزت أعمارهم الأربعين عامًا.
برنامج تدخل متكامل: الأدوية وحدها لا تكفي
تم تنفيذ الدراسة من خلال تقسيم المشاركين إلى مجموعتين رئيسيتين. الأولى خضعت لبرنامج علاجي متكامل يشمل تناول أدوية مخصصة لعلاج ارتفاع ضغط الدم، إلى جانب تلقي دعم صحي وسلوكي مكثف يهدف إلى تعديل نمط الحياة اليومي. وقد تضمن هذا الدعم تقديم إرشادات عملية لتقليل استهلاك الملح والكحول، والتشجيع على خسارة الوزن، وتحفيز النشاط البدني والغذائي.
أما المجموعة الثانية، فتلقت الرعاية الطبية التقليدية دون تدخلات إضافية على صعيد نمط الحياة أو الدعم التوعوي.
وبعد مرور أربع سنوات على بدء الدراسة، أظهرت النتائج فرقًا واضحًا بين المجموعتين؛ حيث سجلت المجموعة التي تلقت الرعاية المكثفة انخفاضًا بنسبة 15% في خطر الإصابة بالخرف، بالإضافة إلى تحسن ملحوظ في الوظائف العقلية والذهنية، مع انخفاض بنسبة 16% في معدلات التدهور الإدراكي العام.
رسالة إلى الأطباء والمرضى: الدماغ في خطر مثل القلب
وفي تعليقه على نتائج الدراسة، قال الدكتور مسعود حسين، أستاذ علم الأعصاب في جامعة أكسفورد، إن هذه النتائج تُعد بمنزلة "نداء إيقاظ" موجّه لكل من الأطباء والمرضى. وأكد أن ضغط الدم المرتفع لا يجب أن يُنظر إليه كمشكلة تؤثر فقط على القلب والأوعية الدموية، بل كعامل خطر رئيسي يمتد تأثيره إلى الدماغ والوظائف المعرفية أيضًا.
وأضاف حسين أن الكثير من الأشخاص لا يدركون مدى الترابط الوثيق بين اضطرابات ضغط الدم وبين الإصابة بأنواع مختلفة من الخرف، بما في ذلك مرض ألزهايمر، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في استراتيجيات الوقاية والفحص المبكر.
مطالبات بخفض سن الفحص إلى الثلاثين
وفي ضوء هذه النتائج اللافتة، دعت منظمات بريطانية رائدة مثل Alzheimer’s Research UK وAlzheimer’s Society إلى مراجعة السياسات الصحية الحالية المعتمدة في المملكة المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بعمر بدء الفحص الدوري لضغط الدم.
وتقترح هذه الجهات خفض سن الفحص من 40 عامًا إلى 30 عامًا، مشددة على أن الاكتشاف المبكر لارتفاع ضغط الدم واتخاذ خطوات علاجية وقائية منذ سن مبكرة، يمكن أن يحدث فرقًا جذريًا في الحد من حالات الخرف المتوقع تسجيلها في العقود المقبلة.
وصرّحت الدكتورة جوليا ددلي، ممثلة منظمة أبحاث الزهايمر، قائلة: "في ظل غياب علاج فعّال قادر على إيقاف أو عكس تطور أمراض الخرف، تصبح الوقاية الأداة الأكثر أهمية وحيوية أمامنا. نحن بحاجة إلى تغيير جذري في طريقة تعاملنا مع العوامل المسببة للخرف، وعلى رأسها ضغط الدم المرتفع".
أمل للدول محدودة الموارد: النموذج قابل للتطبيق
واحدة من أبرز نقاط قوة هذه الدراسة تكمن في مكان تنفيذها وظروفها؛ إذ تم إجراؤها في قرى ريفية بالصين، مستخدمة كوادر صحية من غير الأطباء، ما يثبت أن برامج الوقاية من الخرف لا تحتاج بالضرورة إلى بنى تحتية طبية معقدة، بل يمكن تنفيذها بفعالية عالية في بيئات بسيطة وبتكاليف منخفضة نسبيًا.
وتشير نتائج الدراسة إلى إمكانية تبني النموذج في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وهي المناطق التي يُتوقع أن تشهد أكبر عبء مستقبلي من حيث أعداد المصابين بالخرف، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد المصابين عالميًا قد يرتفع من 57.4 مليون في عام 2020 إلى أكثر من 152 مليون بحلول عام 2050.
الوقاية تبدأ من ضغط الدم
تُبرز هذه الدراسة أن السيطرة على ضغط الدم لم تعد مجرد وسيلة لحماية القلب والشرايين، بل أصبحت أحد الخطوط الأمامية في الوقاية من التدهور العقلي والخرف. ومع غياب أي علاج جذري لأمراض مثل ألزهايمر، تزداد الحاجة إلى استراتيجيات وقائية واقعية، قابلة للتطبيق، وفعالة من حيث التكلفة.