عاجل

في زمنٍ ليس ببعيد، كان الطيب سيدَ القوم، وكان الحياءُ زينةَ الوجه، والكلمة الطيبة تُفتح بها القلوب قبل الأبواب… أما اليوم؟ فالنيةُ الصافية تُعدُّ غفلة، والابتسامةُ تُفسَّر مَسْكَنة، ومن غضَّ الطرفَ عن السوء قيل عنه: “عديم الشخصية!”

فى الماضى كان الرجل يُقدَّر بوقاره، والمرأة تُحترم ، والصغير يُربّى على لو سمحت” و”بعد إذنك”، أما الآن؟ فالوقار موضة قديمة، والاحترام  يعد خسارة والطفل يتعلم  فن الرد قبل فن الأدب!

حيث صار التواضع نقصًا، والكرم تملُّقًا، والصدق سذاجة!
وتحوَّلت الشهامة إلى عملة نادرة والنخوة إلى “كائن منقرض”
وأصبح من يصمت عن الإساءة جبانًا، ومن يصفح عنها مغفَّلًا

صرنا نُخفي الطيبة خلف أقنعة القسوة، ونُجمّل الكذب بمكياج الدبلوماسية، ونُصفّق لمن يظلم لأنه “ذكي”، ونرثي للطيب لأنه “مغلوب على أمره”!
يا للعجب… صرنا نخجل من إنسانيتنا، ونفتخر بصلابة قلوبنا، كأن القسوة وسام شرف!

كان الجد يجلس ليحكي عن أيام النخوة والكرامة، أما نحن فلا اعلم ماذا سنقص ونروى  ربما نتحدث عن  قصص “البلوك” وماذا فعلنا من تريندات !!!

فيا زمن الطيبة،  عذرا  إن كنتَ حيًّا، فأرسل لنا إشارة… أو حتى “نوتيفيكيشن”!
ويا من بقي من أهل القيم… تمسّك، فالصبر في هذا الزمن صار بطولة، والخلق الكريم… نوع من أنواع الانقراض البطيء.
وإن صار الصدق يُؤذي، والكذبُ له ألف لزومْ… فابكِ على زمنٍ تبدّل، فيه العقل وصار موهومْ
فلا تلُمْ الطيب إن تغيّر، ولا تستغرب من سُكوت الشريف…
فالزمان  لقنهم دروسا  قاسية وموجعة

ومع ذلك…  ولكى أبدو متفائلة وبرغم  كلّ ما فات، لا تزال هناك قلوبٌ تمشي عكس التيار،
ناسٌ تختار الطيبةَ رغم القساوة، وتقول “عفوًا” في زمن الشتائم،
ناسٌ لا تزالُ ترى أن الاحترامَ ليس ضعفًا، وأن الأخلاقَ ليست موضة قديمة.

هؤلاء ليسوا كُثُر، لكن وجودهم يطمئن،
كشمعةٍ في عتمة… لا تطردُ الليل، لكنها تثبتُ أن النور لم يمت بعد.

فتمسّك بأخلاقك… لا لأن العالمَ يستحق،
بل لأنك أنتَ تستحق أن تبقى نقيًّا في عالمٍ اختار الغبار،
فالطيبُ ليس غبيًّا، ولا المغفَّل من صفَح،
بل هو فقط إنسانٌ… لم يتخلَّ عن إنسانيته بعد.

تم نسخ الرابط