عاجل

ليبيا في قلب الصراع... فرنسا تعيد رسم استراتيجيتها وسط التنافس الدولي

إيمانويل ماكرون ورئيس
إيمانويل ماكرون ورئيس المجلس الرئاسي في ليبيا محمد المنفي

في إطار سعيها لإعادة رسم سياستها في ليبيا، تسعى فرنسا إلى سد الفراغ الذي خلفته التغيرات الجيوسياسية في أفريقيا، خاصة بعد فك العديد من الدول الأفريقية ارتباطها بمستعمرها السابق. 

ومع تزايد الانقسامات الداخلية والصراعات الدولية على المصالح والنفوذ في ليبيا، صعدت باريس من وتيرة جهودها الدبلوماسية واعتمدت على "القوة الناعمة" لتعزيز وجودها في هذا البلد الذي يشهد تقلبات مستمرة.

الاستراتيجية الفرنسية في ليبيا

وقامت فرنسا بتعديل استراتيجيتها في ليبيا بشكل واضح، ضمن خطة أوسع لتحسين وجودها في القارة الأفريقية، حيث تعمل باريس على دعم المنظمات غير الحكومية لتعزيز نفوذها في أفريقيا، خاصة بعد انسحابها العسكري من العديد من الدول في غرب القارة، ويأتي هذا التحول في الاستراتيجية في وقت حساس يتسم بتنافس دولي على القارة، حيث فرضت التغيرات الجيوسياسية تحديات جديدة على فرنسا.

وتعتمد باريس، بعد انسحابها العسكري من بعض دول غرب أفريقيا، بشكل أكبر على "القوة الناعمة" مثل المبادرات التنموية والسياسية لضمان استمرارية تأثيرها في المنطقة، مع التركيز على طرابلس كمنصة أساسية للحفاظ على نفوذها في القارة.

الطبيعة المتغيرة للعلاقات الفرنسية-الليبية

وكانت العلاقات بين فرنسا وليبيا تتسم بالتوتر والصراع، خاصة بعد فترات من العداء السياسي بين البلدين، لكن مع دخول طرابلس في مرحلة جديدة من الصراع الداخلي، أدركت باريس أن الفراغ الذي نشأ نتيجة الفوضى السياسية قد يمثل فرصة لإعادة بناء العلاقات وتعزيز وجودها الاستراتيجي في البلاد.

دور ليبيا في الإستراتيجية الفرنسية

تسعى باريس لتغيير أسلوبها في طرابلس للحفاظ على وجودها السياسي بدلاً من العسكري، فهي تركز بشكل خاص على المنطقة الجنوبية في ليبيا (إقليم فزان)، الذي كان يشهد لسنوات طويلة نفوذًا فرنسيًا واضحًا. 

وتعد ليبيا ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لفرنسا، وذلك لكونها تملك أطول ساحل يطل على البحر الأبيض المتوسط، ما يجعلها محورية في علاقات فرنسا مع جنوب أوروبا، كما أن مصالح الشركات الفرنسية تعد جزءاً كبيراً من اهتمام باريس بليبيا، حيث تمتلك الشركة استثمارات كبيرة في قطاع النفط والطاقة في البلاد، كما تعتبر فرنسا من أكبر المستثمرين في مجالات أخرى في طرابلس مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية، وهذه الاستثمارات تمثل جزءًا من رؤية باريس الأوسع لتوسيع نطاق وجودها الاقتصادي في المنطقة.

الجهود الفرنسية الأخيرة في ليبيا 

في الأيام الأخيرة، عقدت باريس اجتماعات مكثفة داخل ليبيا، بحضور رئيس مؤسسة خبراء فرنسا والسفير الفرنسي، بهدف مناقشة آليات ضمان استدامة المشاريع التنموية في البلاد، وهذه الاجتماعات تأتي في إطار تعزيز التعاون الفرنسي مع ليبيا وتوسيع نطاق المبادرات التي تستهدف دعم المصالحة الوطنية والتوافق السياسي.

الصراع الدولي على النفوذ في أفريقيا

وتشهد القارة الأفريقية حالياً صراعًا حادًا على النفوذ من قبل قوى كبرى مثل روسيا ، حيث أظهرت اهتمامًا متزايدًا في ليبيا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تزايد تواجد الشركات الروسية والمليشيات المدعومة من موسكو في البلاد، وهذا الوجود الروسي يشكل تهديدًا كبيرًا للنفوذ الفرنسي في المنطقة، لتجد باريس نفسها اليوم في منافسة شديدة مع موسكو لتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية.

إن تحركات فرنسا الأخيرة في ليبيا تُظهر تغيرًا في نهجها السياسي تجاه القارة الأفريقية بشكل عام، وليبيا بشكل خاص، ومع تصاعد التنافس الدولي في المنطقة، تركز باريس على توسيع نفوذها من خلال الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية، بدلاً من الاعتماد على القوة العسكرية كما في الماضي، وستظل ليبيا نقطة محورية في استراتيجية فرنسا لتعزيز وجودها في أفريقيا، وقد تؤثر نتائج هذه الاستراتيجية على مستقبل العلاقات بين البلدين وعلى الوضع الإقليمي في شمال أفريقيا بشكل عام.

تم نسخ الرابط