رياض القصبجي.. «الشاويش عطية» الذي عاش للضحك ورحل فى صمت

تحل اليوم ذكرى وفاة الفنان الكبير رياض القصبجي"الشاويش عطية" الذي خطف القلوب بضحكته وأدواره الخالدة.
في مثل هذا اليوم، الثالث والعشرين من أبريل عام 1963، رحل عن عالمنا أحد أعمدة الكوميديا في تاريخ السينما المصرية، الفنان القدير رياض القصبجي، والذي لا تزال ملامحه المميزة وصوته القوي وضحكته الشهيرة محفورة في وجدان الجماهير، رغم مرور أكثر من ستة عقود على رحيله.
وُلد القصبجي في عام 1903، في مركز جرجا بمحافظة سوهاج، وترعرع في بيئة بسيطة أثقلت روحه بالعفوية، وهي السمة التي ظل يحملها حتى آخر أيامه.
بدايته الفنية
بدأ القصبجي حياته بعيدًا تمامًا عن أضواء الفن، حيث عمل في بداية شبابه كمُحصِّل تذاكر في هيئة السكة الحديد، لكن شغفه بالفن لم يكن خفيًا؛ إذ انضم إلى فرقة التمثيل الخاصة بالسكة الحديد، وسرعان ما أصبح من أبرز أعضائها، كانت هذه الفرقة بمثابة أول منصة أظهر فيها موهبته التمثيلية، قبل أن ينتقل بعدها إلى عدد من الفرق المسرحية الشهيرة في ذلك الوقت، ليبدأ أولى خطواته الجادة على طريق الاحتراف.

القصبجي شارك خلال مسيرته الفنية الحافلة في أكثر من 179 فيلمًا سينمائيًا، تنوعت فيها أدواره بين الكوميديا والشر والعنف، لكنه استطاع ببراعة أن يترك بصمة مختلفة في كل شخصية أداها، ومن بين المحطات المهمة في حياته الفنية تعرّفه على الفنان الشعبي الكبير محمود شكوكو، الذي لعب دورًا محوريًا في تعريفه بالفنان القدير علي الكسار، ومن خلال هذه المعرفة، انضم القصبجي إلى فرقة علي الكسار، وهو الانضمام الذي مثّل نقطة انطلاق حقيقية نحو عالم السينما.

وكان أول ظهور سينمائي له في فيلم "سلّفني 3 جنيه" عام 1939، ليحصل على أول أجر له في هذا المجال، والذي بلغ وقتها 50 قرشًا فقط، لكنه لم ينسَ تلك البداية المتواضعة التي كانت شرارة لانطلاقة ملأت الشاشات المصرية لعقود.
أما القفزة الأهم في تاريخه الفني، فكانت من خلال تعاونه المتكرر مع نجم الكوميديا الراحل إسماعيل ياسين، حيث شكّلا سويًا ثنائية فنية شديدة التميز لا تزال تحظى بحب الجماهير حتى اليوم. من خلال سلسلة أفلام شهيرة جمعت بينهما، جسّد القصبجي شخصية "الشاويش عطية" التي التصقت به وأحبها الجمهور بجنون. ومن أبرز تلك الأفلام: "إسماعيل ياسين في الجيش"، و"إسماعيل ياسين في البوليس السري"، و"إسماعيل ياسين في جنينة الحيوانات"، وغيرها من الأعمال التي لاقت نجاحًا منقطع النظير.


فرحة لم تكتمل.. القصبجي أمام الكاميرا للمرة الأخيرة
من أكثر اللحظات المؤثرة في حياة الفنان رياض القصبجي كانت محاولته الأخيرة للعودة إلى الوقوف أمام الكاميرا، بعد أن أنهكه المرض وأثقل جسده الوهن، فقد أصيب بارتفاع حاد في ضغط الدم، ما تسبب له في شلل نصفي في الجانب الأيسر من جسده، وألزمه الفراش لفترة طويلة، فاضطر للتوقف عن العمل تمامًا، هذه الأزمة الصحية لم تكن مجرد مرض عضوي، بل أثرت بشكل عميق في حالته النفسية، خاصةً أنه كان عاشقًا للفن، ولا يعرف لنفسه حياة بعيدة عن الكاميرا والجمهور.
رغم قسوة المرض، لم ينسَ محبوه طيبته وإنسانيته التي كانت تناقض ملامحه الصارمة على الشاشة، فقد كان محبوبًا من الجميع، فنانًا يحمل قلبًا رقيقًا خلف ملامح الشاويش الصارمة وبدافع الوفاء، قرر المخرج حسن الإمام أن يمنحه فرصة للظهور مجددًا في مشهد صغير بفيلم "الخطايا"، فقط لرفع روحه المعنوية.
حين أخبره الإمام بالترشيح، غمرت الفرحة قلب القصبجي، وأخبره بأنه يشعر بتحسن كبير، وأنه بات مستعدًا للعودة وعندما جاء موعد التصوير، حضر القصبجي إلى الاستوديو وهو يَمنّي النفس باستعادة ولو جزء بسيط من وهج الأضواء لكن الواقع كان مؤلمًا حاول أن يقف، إلا أن جسده خانه، فسقط أرضًا، وانهمرت دموعه في صمت موجع. اعتذر للمخرج بصدق، ثم انسحب من المشهد، مؤمنًا بأن تلك كانت المحاولة الأخيرة، والوداع الصامت لعالم الفن.
يد حانية من فريد شوقي
لم تكن محنة القصبجي الصحية هي الوحيدة، فقد تزامن معها ضيق مادي شديد جعله يواجه نهاية حياته مفلسًا لا يملك حتى قوت يومه، رغم مشاركته في أكثر من 179 فيلمًا، في هذه اللحظة العصيبة، ظهر الوفاء على حقيقته، وتمثل في الفنان الكبير فريد شوقي، الذي لم يتخلَّ عن زميله، بل اعتاد زيارته في منزله باستمرار. وكان في كل زيارة يترك له ظرفًا يحتوي على مبلغ مالي، دون أن يقدمه له مباشرة، حرصًا على مشاعره، وكي لا يشعره بالخجل أو الحاجة.
رحل رياض القصبجي في مثل هذا اليوم عن عمر ناهز الـ61 عامًا، لكنه ترك وراءه تاريخًا فنيًا خالدًا، وضحكة صادقة، وملامح لا تنسى، ومواقف إنسانية تليق بـ"الشاويش عطية" الذي أحبه الملايين.