دراسة هارفارد: ساو بالميتو لا يعالج تضخم البروستاتا بفاعلية مثبتة علميًا

رغم الانتشار الواسع لاستخدامه بين الرجال في مختلف أنحاء العالم، سلطت دراسة علمية حديثة صادرة عن جامعة هارفارد الضوء على الشكوك المتزايدة حول فاعلية نبتة "ساو بالميتو" في علاج تضخم البروستاتا الحميد.
فقد توصلت النتائج إلى أن هذا العلاج الطبيعي، الذي يُروج له باعتباره بديلًا آمنًا وفعالًا للأدوية التقليدية، لا يقدم فائدة تُذكر مقارنة بالدواء الوهمي، ما يضع العديد من علامات الاستفهام حول مدى جدواه الفعلية في دعم صحة الرجال.
شهرة “ساو بالميتو” بلا دليل
تُعد نبتة "ساو بالميتو" (Saw Palmetto) من أكثر الأعشاب الطبية تداولًا بين الرجال الذين يعانون من أعراض تضخم البروستاتا الحميد، مثل ضعف تدفق البول وكثرة التبول الليلي. وقد اكتسبت هذه العشبة شهرة كبيرة بفضل التسويق الواسع الذي يُصوّرها كعلاج طبيعي لا يسبب آثارًا جانبية، ويُروّج لها باعتبارها بديلًا آمنًا للعلاجات الدوائية التقليدية. لكن، وفقًا لما كشفته الدراسة الحديثة، فإن هذا الاعتقاد المتداول يفتقر إلى أساس علمي راسخ.
دراسة هارفارد حول “ساو بالميتو” بلا دليل
الدراسة التي نُشرت في إحدى الدوريات الطبية المرموقة، أجريت على عينة كبيرة تضم 370 رجلاً يعانون من أعراض تضخم البروستاتا الحميد. وقد تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين: إحداهما تناولت جرعات مضاعفة من مستخلص "ساو بالميتو"، في حين حصلت المجموعة الأخرى على دواء وهمي. وبعد فترة من المتابعة الدقيقة، تبين أن المجموعتين أظهرتا تحسنًا طفيفًا في الأعراض، لكن دون أي فرق إحصائي يُذكر بينهما، وهو ما يشير بوضوح إلى أن الشعور بالتحسن لا يعود للعشبة ذاتها، بل لما يُعرف علميًا بـ"تأثير الدواء الوهمي".
تحذير من المكملات العشبية
في تعليقها على نتائج الدراسة، أكدت الدكتورة هايدي رايالا، أستاذة جراحة المسالك البولية في جامعة هارفارد، أن غياب ترخيص رسمي من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لاستخدام "ساو بالميتو" كعلاج دوائي معتمد، يُعد مؤشرًا قويًا على محدودية الأدلة الداعمة لفاعليته. وأوضحت:
"لو كان لهذا المستخلص العشبي تأثير حقيقي مثبت، لسعت شركات الأدوية إلى تطويره وتصنيعه ضمن قائمة الأدوية المرخصة، بدلًا من تركه في نطاق المكملات التي لا تخضع لرقابة صارمة."
وأضافت رايالا أن العشبة بحد ذاتها قد تكون غير ضارة عند تناولها بجرعات معقولة، لكنها على الأرجح لن تحقق النتيجة العلاجية المرجوة، مما يجعل الاعتماد المفرط عليها قرارًا غير مدروس من الناحية الصحية والمالية.
فضائح صناعة المكملات العشبية
الجدير بالذكر أن عالم المكملات الغذائية، خاصة العشبية منها، لطالما ارتبط بسجلات مثيرة للجدل. ففي عام 2015، كشفت تحقيقات أجراها المدعي العام في ولاية نيويورك عن أن عددًا كبيرًا من المكملات المتوفرة في الأسواق لا يحتوي على المكونات النباتية الفعالة المُعلنة على العبوة، بل يحتوي على مواد أرخص مثل الأرز أو القمح، وبعضها يحتوي على نباتات لا تمت بصلة إلى الوظيفة الطبية المفترضة.
هذه النتائج، التي أثارت حينها ضجة في الأوساط العلمية والصحية، شكّلت جرس إنذار بشأن مصداقية صناعة المكملات العشبية، ودعت إلى إعادة النظر في الثقة الممنوحة لها دون تدقيق.
رأي الخبراء في العلاج
الدكتور مارك جارنيك، أستاذ أمراض المسالك البولية في جامعة هارفارد، شدّد على ضرورة التمسك بالطب القائم على الأدلة العلمية عند التعامل مع مشاكل مثل تضخم البروستاتا، مشيرًا إلى أن تناول مكملات مثل "ساو بالميتو" دون استشارة طبية أو تقييم شامل للحالة الصحية قد يؤدي إلى تأخير العلاج المناسب. وأضاف أن الأدلة السريرية المتوفرة حتى الآن لا تبرر الاعتماد على هذا المستخلص النباتي كخيار علاجي مستقل، بل توصي بالاكتفاء به كعامل مساعد إن رغبت الحالة بذلك، وليس بديلاً عن الرعاية الطبية المتخصصة.
الطب البديل ليس بديلاً عن الطب
إن الدراسة الحديثة حول "ساو بالميتو" تقدم رسالة واضحة وعلمية للمرضى والأطباء على حد سواء: ليس كل ما يُروّج له على أنه "طبيعي" بالضرورة فعّال أو آمن. فبينما تظل بعض الأعشاب مفيدة في تخفيف الأعراض أو تعزيز العافية العامة، فإنها لا يمكن أن تحل محل العلاج الطبي القائم على الدليل، خاصةً في حالات تستدعي تدخلًا سريريًا دقيقًا.
المطلوب اليوم هو رفع الوعي الصحي لدى الأفراد، وتوجيههم نحو اتخاذ قرارات مبنية على معلومات موثوقة ومصادر معتمدة، بعيدًا عن الانسياق وراء الوعود الجذابة للعلاج الطبيعي السريع.