خبير دولي: التحقيقات الإسرائيلية "مسرحية قانونية" لحماية مجرمي الحرب في غزة

وصف الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي، نتائج التحقيقات الأولية التي أعلنها الجيش الإسرائيلي بشأن استهداف الطواقم الطبية الفلسطينية في رفح بأنها "مسرحية قانونية هزلية" تهدف إلى حماية المتورطين في جرائم الحرب من الملاحقة الدولية.
تحليل لنتائج التحقيقات
أشار الدكتور مهران إلى أن هذه التحقيقات تأتي في إطار نمط إسرائيلي ممنهج يهدف إلى التفاف على مبادئ القانون الدولي الإنساني وتفريغه من محتواه. وقال: "النتائج التي أعلنها جيش الاحتلال تمثل محاولة مكشوفة لتقييد يد المحكمة الجنائية الدولية التي تحقق في جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في غزة، وذلك باستخدام مبدأ التكامل القضائي بطريقة مشوهة".
وأوضح أن التحقيقات التي تتضمن إجراءً تأديبياً بسيطاً، مثل عزل ضابط واحد من منصبه دون توجيه أي تهم جنائية، في مقابل جريمة بهذه الخطورة، تكشف بوضوح أن التحقيق لا يستهدف تحقيق العدالة، بل حماية المتورطين من الملاحقة الدولية.
تناقضات في التحقيقات
وأشار الدكتور مهران إلى وجود تناقضات جوهرية تنسف مصداقية التحقيق من أساسه، متسائلا: كيف يمكن القبول بحجة محدودية الرؤية، بينما يعترف الجيش الإسرائيلي بقراره المتعمد تدمير السيارات الفلسطينية؟ وكيف يمكن الحديث عن قرار تغطية الجثث تمهيداً لنقلها في حين توثق الأدلة المرئية والشهادات إطلاق النار المباشر على الفرق الطبية وهي ترتدي شاراتها الدولية المميزة؟.
وأكد أستاذ القانون الدولي أن اعتراف الجيش الإسرائيلي بأن قرار تدمير السيارات الفلسطينية كان خاطئاً يعد في حقيقته اعترافاً بجريمة إضافية تتمثل في تدمير الأدلة وطمس معالم مسرح الجريمة، وهي ممارسة تضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي توثق نية إجرامية مبيتة.
وتناول الدكتور مهران في تحليله النقطة المثيرة في البيان الإسرائيلي المتعلقة باعتراف الجنود بالكذب في التحقيقات الأولية، معتبراً أن هذا الاعتراف يجب أن يُقرأ في سياقه الصحيح باعتباره دليلاً إضافياً على وجود نية جرمية مبيتة وليس عاملاً مخففاً كما يحاول البيان الإسرائيلي تصويره.
اعتراف الجنود والكذب في التحقيقات
فيما يخص اعتراف الجنود بالكذب في التحقيقات، شدد مهران على أن هذا الاعتراف يجب أن يُقرأ في سياقه الصحيح باعتباره دليلاً إضافياً على وجود نية جرمية مبيتة. وأضاف أن الكذب في التحقيقات يعكس وعياً بخطورة الفعل المرتكب، وهو في المنظور القانوني يمثل عنصراً من عناصر الإثبات على العلم المسبق بعدم مشروعية الفعل، مما يعزز أركان المسؤولية الجنائية الفردية بدلاً من تخفيفها.
الهجمات الممنهجة على المرافق الطبية
وأوضح مهران أن حادثة رفح يجب أن تُنظر ضمن نمط أوسع من الهجمات الممنهجة ضد المرافق الطبية والطواقم الصحية. وقال: "تدمير سيارات الإسعاف في حد ذاته يشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف، ولا يمكن النظر إلى حادثة رفح كحالة معزولة". وأكد أن منظمات دولية محايدة وثقت استهداف أكثر من 100 سيارة إسعاف منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، ما يُظهر اتساع نطاق هذه الانتهاكات.
وتطرق الدكتور مهران إلى المغزى القانوني الأعمق وراء إعلان نتائج هذه التحقيقات في هذا التوقيت بالذات، مشيرا إلى أن توقيت إعلان هذه النتائج ليس صدفة، فهو يأتي بعد تحركات المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين آخرين، وهو ما يكشف عن المحاولة الإسرائيلية لاستغلال مبدأ التكامل القضائي للإفلات من العقاب.
ونوه بأن مبدأ التكامل في عمل المحكمة الجنائية الدولية يقوم على إعطاء الأولوية للقضاء الوطني في ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية، لكن هذا المبدأ مشروط بأن تكون التحقيقات الوطنية جادة وشاملة ومستقلة، وهي شروط لا تتوفر بتاتاً في التحقيقات الإسرائيلية الصورية.
كما أوضح مهران أن فقه المحكمة الجنائية الدولية استقر على أن التحقيقات الوطنية التي تهدف إلى حماية المتهمين أو التي تفتقر للجدية والاستقلالية لا تحول دون ممارسة المحكمة لاختصاصها، وهو ما ينطبق تماماً على الحالة الإسرائيلية.
ودعا أستاذ القانون إلى تحقيق دولي مستقل وشامل في كافة الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين، معتبرا أن هذه النتائج الهزلية للتحقيق الإسرائيلي تؤكد الحاجة الملحة لتحقيق دولي مستقل في كافة الجرائم المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين، وخاصة استهداف الطواقم الطبية والصحفيين والمنشآت المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني.
التوقيت القانوني للإعلان عن التحقيقات
وتناول الدكتور مهران المغزى القانوني وراء توقيت إعلان نتائج التحقيقات، مشيراً إلى أنه ليس صدفة أن تأتي هذه النتائج بعد تحركات المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين. وأضاف أن هذا يشير إلى محاولة إسرائيلية لاستغلال مبدأ التكامل القضائي بهدف الإفلات من العقاب.