العلاقات المصرية – الجيبوتية: تعاون استراتيجي متنامٍ في قلب القرن الإفريقي

تُجسد العلاقات المصرية–الجيبوتية نموذجًا مميزًا للتعاون الثنائي القائم على المصالح الاستراتيجية المتبادلة، خاصة في ظل التحديات الإقليمية المتعددة في البحر الأحمر وشرق إفريقيا، وتحرص مصر على تعزيز حضورها في القارة الإفريقية، من خلال شراكات تقوم على الدعم، والتكامل، والأمن المشترك، وهو ما تجلى بوضوح خلال الزيارة الرسمية التاريخية التي أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي في عام 2021، والتي تعد أول زيارة لرئيس مصري منذ استقلال جيبوتي عام 1977.
خلال الزيارة، عقد الرئيس السيسي قمة ثنائية مع نظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة، ناقشت قضايا التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي، إضافة إلى تطورات إقليمية مؤثرة، أبرزها سد النهضة وأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
أهمية جيبوتي الاستراتيجية لمصر
تحتل جيبوتي موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية، حيث تُشرف على مضيق باب المندب، المنفذ الجنوبي للبحر الأحمر، الذي يمثل بوابة رئيسية لحركة التجارة العالمية عبر قناة السويس، كما تقع ضمن منطقة القرن الإفريقي، ما يجعلها محورًا أساسيًا في معادلة الأمن القومي المصري، خاصة في ظل تعقيدات ملف سد النهضة الإثيوبي.
إضافة إلى ذلك، تُعد جيبوتي شريانًا اقتصاديًا حيويًا لإثيوبيا، حيث تمر عبرها نحو 80% من التجارة الإثيوبية، مما يعزز من مكانتها كمركز لوجستي إقليمي، ويمنحها أهمية اقتصادية متزايدة.
محاور المباحثات الثنائية
ركزت القمة الرئاسية والمباحثات الموسعة بين وفدي البلدين على عدد من الملفات الاستراتيجية، من أبرزها:
تعزيز التعاون الاقتصادي، إذ تم الاتفاق على دعم القطاع الخاص المصري للعمل في السوق الجيبوتية، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين.
وأيضًا، التنمية والبنية التحتية، إذ تم بحث التعاون في مجالات الصحة، الطاقة، التعليم، الثقافة، النقل، وربط الموانئ، هذا بالإضاافة إلي ملف الأمن والدفاع، إذ تم التأكيد على دعم مصر للمؤسسات الأمنية والعسكرية الجيبوتية، ومواجهة التحديات المشتركة.
كما لم يغيب ملف مكافحة الفكر المتطرف والإرهاب عن طاولة المباحثات بين البلدين، إذ يجري تعزيز التعاون الأمني والفكري لمجابهة التهديدات في المنطقة.
وتشهد العلاقات الثنائية بين البلدين مباحثات حول ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني عادل وملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، يحقق التوازن بين مصالح مصر والسودان وإثيوبيا، ويمنع الإضرار بمصالح الدول المشاطئة للنيل الأزرق.
القضايا الإقليمية والدور الجيبوتي
وشهدت العلاقاتبين مصر وجيبوتي دائمًا بحث التطورات المتسارعة في الصومال، واليمن، والسودان، وإثيوبيا، وسبل التنسيق لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وأشادت مصر بالدور الجيبوتي في مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الذي يضم 8 دول، ويهدف إلى تأمين الملاحة البحرية، ومكافحة القرصنة، وحماية التجارة العالمية.
التبادل التجاري بين مصر وجيبوتي
شهدت العلاقات التجارية بين البلدين نموًا ملحوظًا، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري من 48 مليون دولار في عام 2018 إلى 95 مليون دولار في عام 2021، بزيادة بلغت 15.7% مقارنة بعام 2020.
تفاصيل التجارة لعام 2021:
الصادرات المصرية إلى جيبوتي: بلغت 88.3 مليون دولار، وتضمنت منتجات مثل:
الأسمدة النيتروجينية، مخاليط المواد العطرية، مستحضرات التنظيف، الجمال الحية، الصمغ العربي، وسجلت الواردات المصرية من جيبوتي، نحو 6.7 مليون دولار.
آفاق التعاون المستقبلي
يتوقع أن تشهد العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين مزيدًا من التوسع خلال المرحلة المقبلة، خاصة في مجالات:
الطاقة الشمسية والمتجددة، البترول والكهرباء، التنمية العمرانية والتخطيط الحضري، وتسعى القاهرة وجيبوتي إلى بناء شراكات مستدامة تعزز من التكامل الاقتصادي وتدعم الأمن الإقليمي.
وتعكس العلاقات المصرية–الجيبوتية حرص القاهرة على تعزيز استراتيجيتها في إفريقيا، خاصة في المناطق ذات التأثير المباشر على أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية. وتُعد جيبوتي شريكًا مهمًا لمصر في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وحماية طرق الملاحة، وتنسيق المواقف في الملفات الحيوية، وعلى رأسها سد النهضة وأمن البحر الأحمر.