هل تذيب الحرارة سلامك النفسي؟ دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الطقس والصحة العقلي

مع تزايد موجات الحر في مختلف دول العالم نتيجة التغيرات المناخية، بدأ الكثيرون يتساءلون عن هل لارتفاع درجات الحرارة تأثير مباشر على الصحة النفسية والعقلية؟ وهل من الممكن أن تؤدي الحرارة الشديدة إلى مشكلات مثل القلق أو الاكتئاب أو حتى السلوك العدواني؟، حيث كشفت دراسة جديدة عن هذه التساؤلات وكشفت عن علاقة وثيقة بين المناخ المتطرف والحالة الذهنية للأفراد، ما يفتح الباب أمام مناقشات أوسع حول تأثير البيئة على الإنسان، ليس فقط جسديًا بل ونفسيًا أيضًا.
الحرارة والصحة النفسية: ما العلاقة؟
عبر السنوات، ربط الباحثون بين تغير الطقس والمزاج العام، لكن الدراسة الحديثة التي نُشرت من قِبل جامعة هارفارد للصحة العامة، أكدت وجود رابط واضح بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات التوتر النفسي والمشكلات العقلية، خاصة في فترات الصيف الحارة.
الدراسة اعتمدت على تحليل بيانات أكثر من 2.5 مليون شخص في عدة ولايات أمريكية على مدار سنوات، ولاحظت أن معدلات الاضطرابات النفسية، مثل القلق ونوبات الهلع وحتى السلوك الانتحاري، كانت أكثر شيوعًا خلال الأيام الحارة جدًا، خاصة عند تجاوز الحرارة حاجز 35 درجة مئوية.
كيف تؤثر الحرارة على الدماغ؟
توضح الدراسة أن الجسم عندما يتعرض لدرجات حرارة عالية، يبدأ في استهلاك طاقة أكبر لتنظيم حرارته الداخلية، ما قد يؤثر على نشاط الدماغ، تحديدًا في المناطق المسؤولة عن المزاج والتركيز والتنظيم العاطفي، كما أن الحرارة تؤدي إلى:
- اضطراب النوم: مما يزيد من التوتر والقلق.
- انخفاض جودة الهواء: ما يؤثر على التنفس وصحة الدماغ.
- قلة التفاعل الاجتماعي: بسبب الميل للبقاء في أماكن مغلقة.
- زيادة العدوانية: إذ أظهرت دراسات سابقة أن السلوك العدواني يرتفع في الأيام الحارة.
من هم الأكثر تأثرًا؟
أشارت نتائج الدراسة إلى أن بعض الفئات معرضة أكثر من غيرها لتأثير الحرارة على صحتهم العقلية:
- كبار السن: بسبب ضعف قدرة الجسم على التكيف مع الحرارة.
- المراهقين والشباب: لكونهم أكثر عرضة لتغير المزاج.
- الأشخاص المصابون بأمراض نفسية مسبقة.
- ذوي الدخل المحدود: لعدم قدرتهم على الوصول لأماكن مكيّفة أو خدمات طبية مناسبة.
ماذا يقول الخبراء؟
أخصائيون في الصحة النفسية أكدوا أن التغيرات المناخية لا تؤثر فقط على صحة الإنسان الجسدية، بل لها انعكاسات عميقة على الاستقرار النفسي، خصوصًا مع ازدياد معدلات العزلة، فقدان الروتين، وتقلبات النوم في أوقات الحر الشديد.
كما نصح الأطباء بضرورة مراقبة الأعراض التالية في فترات الحر:
- تغيرات حادة في المزاج
- زيادة نوبات القلق أو التهيج
- فقدان الشهية أو النوم
- ضعف التركيز والانتباه
- شعور بالاختناق أو الانزعاج غير المبرر
كيف نتعامل مع التأثير النفسي للحرارة؟
لحماية أنفسنا من الأثر العقلي لارتفاع درجات الحرارة، يمكن اتباع بعض الإرشادات البسيطة:
- تنظيم مواعيد النوم رغم اختلاف الطقس.
- شرب كميات كافية من الماء للحفاظ على ترطيب الجسم والدماغ.
- البقاء في أماكن جيدة التهوية أو مكيّفة خاصة خلال ساعات الذروة.
- تجنب الضغوط الذهنية المفرطة في الأيام الحارة.
- اللجوء للنشاطات الذهنية الخفيفة مثل القراءة أو التأمل.
- التحدث مع مختص نفسي في حال ظهور أعراض مستمرة أو مزعجة.
تغير المناخ ومستقبل الصحة النفسية
مع استمرار التغيرات المناخية، يتوقع الباحثون أن تكون الصحة النفسية واحدة من أبرز التحديات القادمة. حيث سيواجه الناس موجات حر أطول وأكثر شدة، ما يجعل دعم الصحة النفسية وتوفير بيئات مريحة ضرورة صحية واجتماعية،
كما تشير التوقعات إلى احتمال زيادة حالات الاكتئاب والقلق الموسمي خلال أشهر الصيف، بدلًا من الاقتصار فقط على الشتاء، وهو ما يتطلب استراتيجيات وقائية على مستوى السياسات العامة والمؤسسات الصحية.
الدراسة الحديثة من جامعة هارفارد فتحت النقاش حول تأثير الحرارة المرتفعة على الصحة العقلية، وأكدت أن التغير المناخي لم يعد مجرد ظاهرة بيئية، بل أصبح خطرًا نفسيًا يجب التعامل معه بجدية.
ومع تصاعد درجات الحرارة عامًا بعد عام، من المهم أن نبدأ في الاهتمام بالصحة النفسية بنفس قدر الاهتمام بالصحة الجسدية، وأن نُعد أنفسنا بيئيًا وعقليًا لمستقبل قد لا يكون لطيفًا مناخيًا.