يقع معبد بن عزرا في منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة، جامعًا بين التاريخ العريق واللمسة الروحية التي تبثها قصص الأنبياء. هذا المعبد ليس مجرد بناء أثري، بل يُعتبر شاهدًا حيًا على تلاقي الثقافات والحضارات التي عاشت بزخمها تحت سماء مصر.
يُقال إن الموقع الذي بني فيه المعبد كان المكان ذاته الذي فاضت عنده مياه النيل ورست على ضفافه السلة التي كانت تحمل الطفل سيدنا موسى (عليه السلام)، حيث عُثر عليه وأنقذ. كما تحكي الروايات أن سيدنا موسى بعد تلقيه الرسالة، كان يقف في هذا المكان للصلاة والدعاء من أجل بني إسرائيل. هذا الرابط الروحي بين المعبد والتاريخ الإلهي أكسبه قدسية فريدة وأهمية دينية خاصة.
يرجع تاريخ إنشاء معبد بن عزرا إلى القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي. ويُنسب إلى العالم الأندلسي والأديب إبراهام بن مير بن عزرا الذي وُلد في طليطلة بالأندلس عام 1092م، وأعاد بناء المعبد ليُعرف باسمه منذ ذلك الحين. المعبد شهد حياة مليئة بالحركة، حيث عُرفت في بداياته قصة بيعه من الكنيسة القبطية للطائفة اليهودية في القرن التاسع الميلادي، عندما كانت الكنيسة الأرثوذكسية تمر بضائقة مالية. ومن يومها، ظل هذا المعبد شاهدًا على تعايش الأديان بسلام وأمان في قلب مصر القديمة.
كان للمعبد أسماء عديدة عبر الزمن، كل منها يحمل في طياته قصة مميزة. اشتهر بمسمى "معبد موسى" نسبةً إلى النبي الذي صلى ودعا الله في المكان ذاته. وسُمي أيضًا "معبد الجنيزة"، نظرًا للأوراق والمخطوطات الثمينة التي عُثر عليها في غرفة علوية بداخله في عام 1896م. هذه الوثائق، التي تم نقلها إلى جامعات كبرى في إنجلترا وأمريكا، تحمل تاريخًا حافلًا يروي ملامح حياة اليهود في العصور الوسطى. ومن أسمائه الأخرى معبد عزرا الكاتب"، في إشارة إلى نسخة قديمة من التوراة، يُزعم أنها كُتبت بيد الحبر عزرا نفسه.
يتميز معبد بن عزرا بتصميم داخلي فريد يعكس جمال العمارة القديمة. يتخذ المعبد شكلاً مستطيلاً ويُبنى على الطراز البازيليكي المعروف بتقسيماته المُنظمة واستخدامه للأعمدة الرخامية المزخرفة. يتكون المعبد من طابقين يتصلان ببعضهما من خلال درج حجري خارجي، مما يضفي على تصميمه لمسة مميزة. عند الدخول، تجد صفين من الأعمدة الرخامية الرشيقة، كل صف مكوّن من ستة أعمدة مسنودة بتشطيبات هندسية جميلة. سقف المعبد مزين بتفاصيل متقنة تشمل زخارف أرابيسك نباتية وجدارية، بينما تتيح الشُخشيخة الموجودة في الأعلى للضوء الطبيعي بالدخول بشكل ناعم وهادئ.
يضم الطابق الأول قاعة الصلاة الرئيسية التي تعرف باسم البيما، وتقع في منتصف المعبد على منصة رخامية مميزة تصل إليها من خلال درجات رخامية محاطة بدرابزين أنيق. تبرز أيضًا منصة أخرى يُعتقد أنها أُضيفت لاحقًا وتم تزيينها بألواح رخامية. عند التوجه شرقًا داخل القاعة، يظهر الهيكل الذي يقع داخل عقد رائع على شكل حدوة فرس، حيث يحتوي على صندوق التوراة الخشبي المزخرف ومنصة للصلاة، فيما يمتد السقف فوقه على شكل قبو زخرفي رائع بنوافذ قمرية مستديرة تُدخِل الضوء برفق من الجهة الشرقية.
. كما يضم المعبد رواقًا جنوبيًا غربيًا تزينه الجداريات وزخارف نباتية ونجوم سداسية مميزة. يحتوي هذا الرواق على مكتبات خشبية مزخرفة بالعاج والصدف، بينما تطل شبابيكه الأصلية على ساحة المعبد الخلفية. بالمثل، يحتوي الرواق الشمالي الشرقي على مكتبات منفصلة وتفاصيل معمارية مشابهة، مع شمعدان مُزين يضفي لمسة دفء للمكان.
صُمم الطابق الثاني ليكون مصلّى مخصصًا للسيدات، يمكن الوصول إليه عن طريق سلم داخلي. يتميز سقف هذا الطابق بتفاصيل زخرفية رائعة وجمال هندسي باهر قائم على اثني عشر عمودًا رخامياً تأخذ صورة زهرة اللوتس. من بين أهم معالم الطابق الثاني غرفة الجنيزة، وهي مساحة مخصصة لحفظ الوثائق والمخطوطات المقدسة التي لا يمكن التخلص منها. وقد اكتُشف في هذه الغرفة أكثر من 140 ألف وثيقة مهمة، نُقلت إلى أبرز المكتبات والمؤسسات الثقافية في العالم