عاجل

جنّد ما تبقى من النظام لإتمام عمليات التهريب

شبكة معقدة.. كيف دبّر بشار الأسد تهريب ثرواته ووثائقه السرّية إلى الإمارات؟

الرئيس السوري السابق
الرئيس السوري السابق بشار الأسد

في واحدة من أخطر العمليات السرية التي نفذها النظام السوري خلال تاريخه، استخدم الرئيس السابق بشار الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لمدة 24 عامًا، طائرة خاصة لتهريب ملايين الدولارات من الأموال النقدية، ومقتنيات ثمينة، ووثائق سرية بالغة الحساسية من سوريا إلى الإمارات، قبيل انهيار نظامه في ديسمبر الماضي.

وبحسب تحقيق نشرته وكالة "رويترز"، كشفت تفاصيل هذه العملية من خلال شهادات حصرية جمعتها من 14 مصدرًا مطلعًا على العملية من بينهم ضباط في المخابرات الجوية، وأفراد من الحرس الجمهوري، وموظفون في المطارات السورية، وشخصيات داخل الشبكة الاقتصادية للأسد. 

واعتمد التحقيق على تحليل بيانات تتبع الرحلات الجوية، وصور أقمار صناعية، وسجلات ملكية شركات وطائرات، بالإضافة إلى رسائل مشفّرة عبر تطبيق واتساب بين معاوني يسار إبراهيم، المستشار الاقتصادي الأقرب إلى الأسد.

ليجاسى 600/650 - Private Jet Charter

عملية غير مسبوقة: أربع رحلات خلال 48 ساعة

الطائرة التي نفذت العملية، من طراز “إمبراير ليجاسي 600”، مسجلة في غامبيا وتحمل الرقم التعريفي C5-SKY. خلال يومي 6 و8 ديسمبر، أجرت أربع رحلات متتالية من دمشق إلى مطار البطين في أبوظبي، وهو مطار مخصص للشخصيات الهامة ويتمتع بأعلى مستويات الخصوصية. 

وقد أُثبت عبر الأقمار الصناعية وبيانات الطيران أن هذه الطائرة كانت الوحيدة التي دخلت وخرجت من سوريا خلال تلك الفترة.

في كل رحلة، نُقلت حقائب سوداء غير معلّمة، تحتوي كل واحدة منها على ما لا يقل عن 500 ألف دولار نقدًا، بالإضافة إلى أجهزة حواسيب محمولة، ومحركات أقراص صلبة، ومستندات تتعلق بـ”المجموعة”  وهو الاسم الرمزي المستخدم داخل القصر الجمهوري للإشارة إلى شبكة معقدة من الشركات التي استخدمها الأسد وعائلته للسيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري.

العقل المدبّر: يسار إبراهيم

لعب يسار إبراهيم، الذي شغل منصب مدير المكتب المالي والاقتصادي للرئاسة، دورًا مركزيًا في هذه العملية. وبحسب مصادر اقتصادية ومطلعين على شبكة أعمال الأسد، فقد كان إبراهيم هو المهندس المالي للنظام، وواجهة الأسد في تأسيس شبكة من الكيانات في قطاعات حيوية كالاتصالات، والخدمات المصرفية، والعقارات، والطاقة، وغيرها، وقد أدرجته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضمن قائمة العقوبات نتيجة لتورطه في تمويل النظام والمساهمة في قمع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت عام 2011.

مصادر "رويترز" تؤكد أن إبراهيم هو من رتب استئجار الطائرة وتنسيق جميع تفاصيل الرحلات، بما في ذلك نقل أفراد من عائلة الأسد، وموظفين من القصر الرئاسي، ومساعدين بارزين، بالإضافة إلى الشحنات المالية والوثائق.

صورة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد

ترتيبات أمنية مشددة ومشاركة الحرس الجمهوري

في اليوم الأول للعملية، أي في السادس من ديسمبر، اقتربت الطائرة من مطار دمشق الدولي في توقيت بالغ الحساسية، بينما كانت قوات المعارضة تقترب من العاصمة.

تولت عناصر من المخابرات الجوية السورية، المعروفة ببطشها ودورها الأساسي في قمع المعارضين، حماية المنطقة المحيطة بقاعة الشرف وهي المخصصة لاستقبال كبار الشخصيات في المطار.

وبحسب ستة شهود عيان كانوا في الموقع، بينهم ثلاثة من مسؤولي المطار، فإن سيارات مظللة تابعة للحرس الجمهوري رافقت وصول شخصيات بارزة إلى الطائرة، ما يؤكد أن العملية كانت تتم بتوجيه مباشر من الرئيس الأسد نفسه.

 أحد قادة الحرس الجمهوري السابقين أكد لرويترز أن الحرس لا يتحرك إلا بأوامر من الأسد أو من اللواء طلال مخلوف، ابن عم الرئيس وقائد الحرس آنذاك.

"لم تروا هذه الطائرة".. أوامر صارمة للتكتم

مدير أمن المطار، العقيد غدير علي، أصدر تعليماته إلى موظفي المطار بعدم التعامل مع الطائرة أو التقرّب منها. ونقل محمد قيروط، رئيس العمليات الأرضية في الخطوط الجوية السورية، عن غدير قوله: “هذه الطائرة ستهبط وسنتعامل معها. أنتم لم تروا هذه الطائرة.”

ثلاثة مسؤولين في المطار أكدوا أن علي، الذي كان يشغل منصبًا رفيعًا في المخابرات الجوية، كان يتلقى تعليماته مباشرة من القصر الجمهوري، ما يعزز فرضية أن الأسد هو من أشرف شخصيًا على تنفيذ العملية.

العرض الروسي.. تفاصيل جديدة عن هروب بشار الأسد | سكاي نيوز عربية

حميميم: الوجهة الأخيرة للأسد قبل الهروب

في الثامن من ديسمبر 2024، ومع اقتراب قوات المعارضة من دمشق، تم تحويل مسار الطائرة نحو قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية، والتي استخدمها الأسد للفرار إلى روسيا. ووفقًا لصور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها “رويترز”، ظهرت الطائرة على مدرج القاعدة في تمام الساعة 09:11 صباحًا، قبل أن تقلع مجددًا إلى أبوظبي، في آخر رحلة من سلسلة التهريب.

على متن هذه الرحلة، كان أحمد خليل خليل، أحد أبرز مساعدي يسار إبراهيم، والذي لعب دورًا مهمًا في إدارة عدد من شركات الأسد.

 وقد وصل خليل إلى القاعدة في سيارة مدرعة تابعة لسفارة الإمارات، وكان يحمل 500 ألف دولار نقدًا، سُحبت قبل يومين من حساب مصرفي باسم شركة “البرج للاستثمار”، التي يمتلك إبراهيم نصفها، بحسب سجلات رسمية.

تورّط محتمل للبعثة الإماراتية؟

بحسب رواية ضابط سابق في المخابرات الجوية ومصدر داخل شبكة الأسد، فإن سيارات تابعة لسفارة الإمارات في دمشق شوهدت وهي تقترب من قاعة الشرف في مطار دمشق خلال إحدى الرحلات، ما يطرح علامات استفهام حول مدى علم البعثة الدبلوماسية الإماراتية بهذه العملية، إلا أن وزارة الخارجية الإماراتية لم ترد على استفسارات “رويترز”، كما لم تصدر أي تعليق رسمي من الجانب الروسي الذي كان يسيطر على قاعدة حميميم خلال العملية.

سوريا: قرار رئاسي بتشكيل مجلس للأمن القومي برئاسة أحمد الشرع

سعي حكومي لاستعادة الأموال المنهوبة

بحسب "رويترز"، قال مسؤول بارز في الحكومة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، إن استعادة الأموال التي تم تهريبها إلى الخارج قبل سقوط الأسد تمثل أولوية قصوى، مشيرًا إلى أن البلاد تعاني من تبعات العقوبات الدولية، وانهيار العملة، والتحديات الاقتصادية المتراكمة.

المسؤول ذاته أكد وجود جهود استخباراتية وقانونية لتتبع الأصول التي تم تهريبها، مضيفًا أن السلطات لم تكشف بعد كل تفاصيل العملية، لكنها مصمّمة على معرفة مصير الأموال واسترجاعها.

تم نسخ الرابط