عاجل
ترامب
ترامب

"إذا لم تؤسس شركة "TSMC" التايوانية مصانع جديدة لها في أمريكا سنفرض عليها ضرائب تصل إلى 100%، كان ذلك تصريح دونالد ترامب الأسبوع الماضي، ورغم أنه تصريح قد يبدو عاديًا في ظل إعصار الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي واشتداد الحرب التجارية مع الصين، وما تبعه من مئات التصريحات الأخرى، أقول رغم كل هذا فإن الحديث عن "TSMC" يعد هو الأشد خطورة في هذا السياق إن عرفنا ماذا تمثل تلك الشركة.


ما هي شركة "TSMC" وأهميتها وتأثيرها للدرجة التي تدفع الرئيس الأمريكي إلى دعوتها لافتتاح مصانع لها في أمريكا بالجبر، قد يعرف البعض أنها ركن أساسي في تصنيع رقاقات المعالجة لهواتف الآيفون ولذلك فالتصريح منطقي، كما قد يعتقد البعض أن عمل الشركة في صناعة أشباه الموصّلات  كافِ لدعوة ترامب خاصة أن تايوان تربطها عداوة تاريخية من الصين التي هي بدورها أشد أعداء ترامب.

لكن الحقيقة أعمق من ذلك كثيرًا وتستلزم منا حديث مستفيض وعودة إلى التاريخ لا فقط لاستعراضه بل لنعرف كيف أصبحنا نحن كمصريين أيضًا مرتبطين بما يحدث في الجزيرة التايوانية التي لا تتخطى مساحتها 36 ألف كم2، والبداية تلك مرة ستكون منذ سبعينيات القرن الماضي حين وجدت تايوان نفسها في مهب الريح إذ سحبت أمريكا اعترافها الدبلوماسي بها مقابل الاعتراف بالجمهورية الصينية الحديثة آنذاك.

كان سؤال التايوانيين المستهدفين حينها من الصين هو كيف سنعيش؟، وكانت الإجابة بضرورة إيجاد صناعة قوية تجبر العالم كله على التعاون مع تايوان بل وحمايتها أو على الأقل عدم السماح بتدميرها لأن بقاء تلك الجزيرة صار مرتبط ببقاء العالم نفسه، ومن هنا جرّبت تايوان في البداية صناعة البتروكيماويات وضخت 5 مليارات دولار لكن أزمات النفط أكدت أن هذا الخيار فاشل.

لكن التجربة لم تكن كلها سيئة إذ حددت تايوان أهدافها أكثر فباتت تستهدف صناعة ذات تكنولوجية عالية ولا تحتاج إلى طاقة كبيرة كما يجب أن تكون صناعة قادرة على خلق عمالة ويكون السوق العالمي يحتاجها في نفس الوقت، وبناء على تلك المحددات  وقع الأختيار على مجال الإلكترونيات فتأسس في عام 1973 معهد أبحاث باسم "ITRI" ومهمته إنتاج أبحاث علمية متطورة وإيصالها لكل المصانع، وبعد 7 سنوات فقط أسست تايوان "HSBIP" وهي منطقة مشابهة لوادي السيلكون بأمريكا.

شيئًا فشيئًا أدركت تايوان أن مستقبلها يتعلق بأشباه الموصلات وهي رقاقات تستطيع التحكم في التيار الكهربائي ومروره وهذا ما يجعلها عنصر أساسي في كل جهاز إلكتروني على وجه الأرض بداية من التلفاز والهواتف ووصولًا إلى الطائرات والأسلحة المتطورة، ومن هنا استقدم الأب الروحي لتطوير التكنولوجيا في تايوان "لي كوه تينج" المهندس الصيني موريس تشانج والأخير هو من سيؤسس في عام 1987 شركة "TSMC " التي وجه لها ترامب التهديد في بداية المقال.

قرأ موريس تشانج السوق العالمي جيدًا وأدرك أن النموذج السائد هو الصناعة المتكاملة، بمعنى أن الشركات الكبرى مثل INTEL و IDM تنتج الرقاقات والأجهزة معًا، ومن هنا قرر المهندس الصيني أنه يجب أن تكون الرقاقات في تايوان صناعة مستقلة وفي نفس الوقت متقدمة عن الجميع بما فيهم شركات وادي السيلكون وذلك ما سيجبر العالم على التعاون معهم، وبمعنى آخر كانت قاعدة "تشانج" فليتنافس الجميع على التصنيع لكن يأتوا إلينا لكي نصنع لهم.

بتلك القاعدة انطلق "تشانج" مع الشركة الوليدة وسط تجارب أخرى عُرفت بالنمور الآسيوية وجسدتها دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة، لكن مع نهاية عقد التسعينيات أثبتت تايوان تفوقها وتحولت إلى غول وليس نمر آسيوي فقط، لكن الأغرب كان خلال العقدين الأخيرين إذ تحولت تايوان إلى عاصمة العالم الفعلية، كيف حدث ذلك وما دلالاته هو ما سنوضحه في المقال المقبل.

تم نسخ الرابط