الرئيس السيسي في قطر والكويت.. رسائل سياسية واقتصادية من العيار الثقيل

في ظل ظروف إقليمية معقدة وتحولات جيوسياسية عميقة تشهدها المنطقة العربية، جاءت جولة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى كل من قطر والكويت كرسالة متعددة الأبعاد، تؤكد من خلالها القاهرة على ثوابت سياستها الخارجية القائمة على تعزيز الشراكات الخليجية، وتكثيف الجهود الاقتصادية، والتأكيد على محورية القضية الفلسطينية، في وقت تتصاعد فيه التحديات الأمنية والاقتصادية إقليمياً ودولياً.
زيارة السيسي لم تأتِ بمعزل عن مشهد إقليمي متداخل، بل جاءت في سياق متشابك من ملفات غزة، والتقارب الخليجي ـ المصري، وملف الاستثمار العربي المشترك، مما يجعلها أكثر من مجرد زيارة رسمية، بل خطوة استراتيجية في توقيت بالغ الدقة.

رسائل الزيارة إلى قطر
في العاصمة القطرية الدوحة، التقى السيسي بعدد من كبار رجال الأعمال القطريين بحضور رفيع من مسؤولي الحكومة القطرية، يتقدمهم رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وعدد من وزراء المالية والتجارة والبلديات.
وعبّر الرئيس المصري خلال اللقاء عن أهمية تعميق التعاون الاقتصادي العربي في ظلّ التحديات العالمية التي تواجه الاقتصاد الدولي، مؤكدًا أن تعزيز الاستثمارات القطرية في السوق المصري يمثل أحد أوجه هذا التعاون المنشود.
في هذا السياق، أفردت صحيفة الشرق القطرية مساحة واسعة لتغطية اللقاء، مشيدةً بالانفتاح المصري على القطاع الخاص الخليجي، وخاصة القطري، ومؤكدة أن "الاستقرار الاقتصادي في مصر هو دعامة للأمن القومي العربي بأسره"، وفق تعبيرها.
وتحت عنوان "عاقلاقات قوية ومتميزة" أبرزت صحيفة "الوطن" القطرية حفاوة استقبال تميم بن حمد لأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما أشارت إلى اللقاء المثمر الذى عقد الرئيس السيسى مع رجال الأعمال القطريين، وأوردت تصريحات السفير القطرى بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية السفير طارق الأنصارى ، حول الأهمية البالغة لزيارة الرئيس السيسى لقطر، حيث أكد أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لدولة قطر تسهم في الانتقال بالبلدين إلى مرحلة علاقات استراتيجية لآفاق أرحب.
كما أبرزت قناة الجزيرة تصريحات السيسي بشأن الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر، والتي تتماشى مع "رؤية مصر 2030"، لا سيّما في مجالات الطاقة والبنية التحتية والسياحة والزراعة.
وتُعد زيارة السيسي إلى قطر بمثابة إعادة تأكيد للعلاقات الاستراتيجية بين القاهرة والدوحة، بعد سنوات من التوتر الذي طُوي بجهود إقليمية هدأت بموجبها خلافات عدة.
ووفقًا لتحليل نشرته الجارديان البريطانية، فإن هذا اللقاء يندرج في إطار "التحالفات الاقتصادية الجديدة التي تبنيها مصر مع دول الخليج لمواجهة تحديات ما بعد الحرب في غزة، والاضطرابات في الأسواق العالمية".

وقال السفير طارق الأنصاري سفير دولة قطر لدي مصر، إن زيارة الرئيس السيسي لقطر تساهم في الانتقال بالبلدين إلى مرحلة علاقات استراتيجية لآفاق أرحب، وذلك بعد الزيارة التي قام بها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، إلى مصر في يونيو 2022، وزيارة الرئيس السيسي إلى الدوحة في 13 سبتمبر 2022، وحضوره حفل افتتاح بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 في نوفمبر من نفس العام، والذي كان له بالغ الأثر في تعزيز العلاقات بين البلدين، وفتح آفاق جديدة من التعاون لتشمل العديد من الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية.
ولفت الأنصاري، إلى أن زيارة السيسي هذه لدولة قطر وهي الثالثة له للبلاد، تأتي في مرحلة حساسة يمر بها الشرق الأوسط والوطن العربي، ولكن تشهد فيها العلاقات الثنائية بين البلدين المزيد من الترابط واللحمة والنمو في كافة المجالات، وخصوصا السياسية والاقتصادية والثقافية.
وتابع: إن هذه الزيارة تواكب الأحداث المتسارعة والحرجة، التي تتعرض لها المنطقة، والتي تحتاج إلى التنسيق والتباحث والتشاور وتبادل الرؤى، حيال القضايا الدولية والإقليمية المختلفة، لا سيما القضية الفلسطينية، لافتا إلى أن كلا البلدين يستشعران التحديات الإقليمية والعالمية ويتعاملان معها بمسؤولية وصدق.

الزيارة إلي الكويت
أما محطة الكويت، فقد جاءت أكثر عمقًا من الناحية السياسية والاقتصادية، فقد لبى الرئيس السيسي دعوة من أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في زيارة حملت طابعًا استراتيجيًا صريحًا، أكد خلاله الطرفان عزمهما على الارتقاء بمستوى التعاون إلى آفاق أرحب.
عقد أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح جلسة مباحثات ثنائية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، سبقها جلسة موسعة ضمت أعضاء الوفدين، تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، حيث شهدت إشادة متبادلة وتقديرًا لعمق وقوة هذه العلاقات على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، وما شهدته من تضامن كامل عبر مختلف المحطات المحورية والفارقة، مما برهن على التزام البلدين المتبادل بضمان وحماية أمن ومصالح كل منهما وحرصهما الراسخ على حماية الأمن القومي العربي باعتباره كلاً لا يتجزأ.
الجلسات الثنائية والموسعة التي عقدت بين الجانبين لم تخلُ من إشادة واضحة بالعلاقات التاريخية التي تربط القاهرة بالكويت، والتي اتسمت عبر العقود بالتضامن الكامل في المحطات الفاصلة والمفصلية.
البيان الرسمي المشترك أشار إلى طيف واسع من الاتفاقات في مجالات الطاقة، والتعليم، والصحة، والثقافة، والبنية التحتية.
كما أعرب الجانب الكويتي عن نيته زيادة حجم الاستثمارات في مصر، مؤكداً دعمه لتحسين بيئة الاستثمار المصري.
كما بحث الجانبان مختلف أوجه التعاون المشترك في القطاعات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والطاقة والبنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم والثقافة والسياحة، حيث أشادا بالتقدم الراهن في هذه القطاعات وما تشهده العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين من نمو مطرد يعكس ما يربطهما من مصالح مشتركة.
وقد أثنى الجانب المصري على النهضة التي تشهدها دولة الكويت على كافة الأصعدة تحقيقًا لرؤية الكويت 2035، كما عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي عن بالغ الشكر للرعاية التي تتلقاها الجالية المصرية في دولة الكويت.
وأكد الجانبان عزمهما تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية خلال الفترة المقبلة بما يحقق مصالحهما المشتركة، مع تكليف المسؤولين في البلدين باتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك.
كما تم إطلاع الجانبين على مخرجات اللجنة المشتركة الكويتية – المصرية التي عقدت في سبتمبر 2024 في القاهرة، والتحضيرات الجارية لعقد الدورة الرابعة عشرة للجنة المشتركة خلال الفترة المقبلة.
كما أشاد الجانب الكويتي بالطفرة التنموية غير المسبوقة التي تشهدها مصر في ظل القيادة الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك بالجهود المبذولة في إطار تحسين المناخ الاستثماري وفقًا لرؤية مصر 2030، والعمل الجاد لتذليل أي عقبات أمام المستثمرين الكويتيين في جمهورية مصر العربية.
اتفق الجانبان على دفع العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين البلدين، حيث أعرب الجانب الكويتي عن عزمه تنفيذ استثمارات في الاقتصاد المصري والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتعددة في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات والتطوير العقاري والقطاع المصرفي والصناعات الدوائية.
كما رحب أمير دولة الكويت بالاستعدادات الجارية لاستضافة القاهرة للمنتدى الاستثماري المصري/الخليجي خلال هذا العام، مؤكدًا اعتزام دولة الكويت المشاركة الفاعلة في أعمال المنتدى بما يحقق المصالح المشتركة للجانبين المصري والخليجي، والبناء على مخرجات زيارة وفد مجلس التعاون الكويتي/المصري إلى القاهرة يومي 23 و24 أبريل 2025.
وثمن الجانبان الدعم المتبادل بين البلدين في المحافل الدولية المختلفة، خاصة دعم دولة الكويت ترشيح الدكتور خالد العناني لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للفترة من عام 2025 حتى 2029، وهو ما يمثل ركناً هاماً لدفع المصالح المشتركة.
وتحت عنوان "اتفاق كويتي - مصري استثماري وسياسي وإقليمي التعاون في القمة "، كتبت صحيفة الراي الكويتية أن الزيارة تضع حجر أساس جديد لتحالف مصري- خليجي قادر على لعب دور محوري في رسم مستقبل المنطقة.
وفي السياق نفسه، أثنت الشرق الأوسط اللندنية على ما وصفته بـ"الانسجام السياسي الكامل" بين القاهرة والكويت، لا سيّما في القضايا الإقليمية المعقدة، مثل الأزمة في غزة، والملف السوري، والوضع اللبناني، والاضطرابات في السودان.
وأكدت صحيفة "القبس" - تحت عنوان "الكويت ومصر..علاقات تزداد رسوخا مع الوقت" - أن زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس السيسي إلى الكويت تفتح آفاقا جديدة للتعاون والعلاقات بين البلدين، منوهة بالتنسيق الثنائي في كل القضايا الإقليمية والدولية والتعاون المشترك لمواجهة التحديات.
واستعرضت صحيفة "النهار" - تحت عنوان "نورت الكويت" - الاستقبال الرسمي والشعبي الحافل الذي حظى به الرئيس المصري، ضيف الكويت الكبير.

دلالات سياسية وإقليمية للزيارة
الجانب الأبرز في زيارات السيسي الأخيرة، والذي لا يمكن إغفاله، هو التوقيت السياسي الحرج، إذ تأتي في أعقاب تعثر مسار التهدئة في غزة، واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في الدوحة في يناير الماضي، بجهود مشتركة بين مصر وقطر والولايات المتحدة.
وقد جاء في البيان المصري-الكويتي إدانة صريحة لتلك الانتهاكات، مع تأكيد على ضرورة الالتزام بمراحل وقف إطلاق النار، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية، ورفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني، مؤقتًا أو دائمًا.
ووصفت تقارير إعلامية، الموقف المصري-الكويتي المشترك بـ"الدرع السياسي" الذي يعيد التوازن إلى طاولة المفاوضات حول القضية الفلسطينية، مشيدة بالدور المصري في استضافة قمة فلسطين الأخيرة في القاهرة، والتي اعتُبرت من قبل مراقبين عرب وأجانب علامة فارقة في مسار التضامن العربي مع غزة.
ومن جهة أخرى، حملت الزيارات إشارات واضحة بدعم القاهرة للملف السوري، حيث عبّرت عن دعمها لتشكيل الحكومة الانتقالية ومشاركة كل الأطياف السورية، ما يعكس توجهًا مصريًا مستمرًا في تعزيز الحلول السلمية المستدامة للنزاعات.
كما شدد البيان المشترك مع الكويت على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، وتفعيل قرار مجلس الأمن رقم 1701، إلى جانب دعم مسار الدولة في لبنان بعد تجاوز الشغور الرئاسي.

دلالات اقتصادية وتكامل عربي
إن من أبرز ما حملته زيارة السيسي إلى الخليج، هو ترسيخ أهمية التكامل الاقتصادي العربي، لا سيّما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث تحدث الرئيس بصراحة أمام رجال الأعمال القطريين عن تأثيرات جائحة كورونا، وأزمة الغذاء، والتذبذبات في أسواق الطاقة، على الدول النامية، داعيًا إلى تعاون اقتصادي حقيقي ومستدام.
وقال: "بات من الضروري أن تتكامل الجهود لبناء شبكة أمان اقتصادي عربي تدعم استقرار المجتمعات وتحمي شعوبنا من أية أزمات قادمة".
وفي هذا الإطار، أبدت بلومبرغ الشرق اهتمامًا خاصًا بإعلان أمير الكويت عن مشاركة بلاده في المنتدى الاستثماري المصري الخليجي المزمع عقده في القاهرة هذا العام، مؤكدة أن المنتدى سيكون منصة مهمة لجذب رؤوس الأموال الخليجية إلى السوق المصري في مجالات مثل الزراعة، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية.
خلاصة القول
تُمثل جولة السيسي إلى قطر والكويت مشهدًا دبلوماسيًا متكاملًا، يعكس الرؤية المصرية في بناء تحالفات قوية تقوم على المصالح الاقتصادية، والمواقف السياسية المتسقة، والجهود الجماعية لتعزيز الأمن الإقليمي.
كما تؤكد هذه الزيارات أن القاهرة باتت أكثر حرصًا على أن تكون في قلب التفاعلات العربية، ليس فقط كقوة سياسية، ولكن أيضًا كحاضنة اقتصادية تستقطب رؤوس الأموال، وتستثمر في استقرار المنطقة.
إنها زيارة بثلاثة أبعاد، سياسي، اقتصادي، وإنساني ـ في قلبها غزة، وعلى أطرافها ملفات السودان وسوريا ولبنان ـ لكنها أيضًا تعبير عن وعي مصري عميق بأهمية توقيت الخطوة، ووزن الخطاب، وحتمية الشراكة.