عاجل

الفتوى تحسم الجدل: متى تكون التكنولوجيا الطبية حرامًا؟

التكنولوجيا الطبية
التكنولوجيا الطبية

مع التطور الكبير في مجال الطب والتكنولوجيا الطبية، يبرز سؤال شائك يتعلق بموقف الشريعة الإسلامية من هذه التحديثات العلمية، خاصة في ظل التطور السريع في الأدوات والطرق العلاجية التي أصبحت متاحة الآن. فبينما يساهم الطب الحديث في إنقاذ حياة ملايين البشر، هناك بعض الأسئلة التي تتعلق بما إذا كانت بعض هذه التقنيات تتوافق مع الشريعة الإسلامية أم لا.

أتت دار الإفتاء المصرية لتوضح موقف الإسلام من استخدام التكنولوجيا الطبية الحديثة، موضحة الحدود الشرعية التي يجب الالتزام بها، بما يتماشى مع تعاليم الدين الحنيف.

التكنولوجيا الطبية الحديثة: بين الفوائد والمخاوف

لا شك أن الطب الحديث قد أتاح العديد من الخيارات العلاجية التي كانت مستحيلة قبل عقود قليلة، مثل العمليات الجراحية المعقدة، وزراعة الأعضاء، والعلاج بالأدوية المتطورة، واستخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج. ومع ذلك، فقد تسببت بعض هذه التقنيات في إثارة الكثير من الأسئلة حول مدى توافقها مع الشريعة الإسلامية.

تستعرض دار الإفتاء في فتواها جوانب من هذه التقنية، وتوضح ما هو جائز منها وما قد يتعارض مع المبادئ الشرعية في الإسلام.

الحلال في الطب الحديث: ما الذي يسمح به الإسلام؟

العلاج باستخدام الأدوية والتقنيات المباحة: في الإسلام، لا يوجد مانع من استخدام الأدوية والتقنيات الطبية التي لا تتعارض مع الشريعة، مثل الأدوية التي تساهم في علاج الأمراض، أو التقنيات التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح أو تحسين الصحة العامة. إذ يعتبر العلاج الوسيلة التي يرسلها الله عبر العلماء والأطباء للتخفيف من آلام البشر. الحديث الشريف يقول: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء" (صحيح مسلم).

زراعة الأعضاء: أكدت دار الإفتاء أن زراعة الأعضاء من شخص لآخر تعد جائزة في الإسلام، ولكن بشروط صارمة. ينبغي أن يكون الشخص الذي يتبرع عضوه قد توفي وفاة طبيعية وليست نتيجة قتل أو انتحار. كما يجب أن يتم أخذ العضو بشروط علمية تضمن حفظ كرامة المريض.

العلاج بالتكنولوجيا المتقدمة: تتبنى الشريعة الإسلامية استخدام التقنيات الطبية الحديثة بشرط ألا تتعارض مع المبادئ الشرعية. فمثلاً، استخدام تقنيات التصوير الطبي مثل الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لا يتعارض مع الشريعة إذا كان الهدف منها تشخيص المرض وعلاجه.

الطب النفسي والعلاج بالأدوية النفسية: من الجائز في الإسلام استخدام الأدوية التي تعالج الأمراض النفسية والعقلية إذا كانت وفقًا للتوصيات الطبية. هذا يشمل العلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب أو علاج اضطرابات القلق، بشرط أن لا تؤدي إلى تعاطي مواد محظورة أو تؤثر على القدرة العقلية بشكل يضر بالشخص.

الحرام في استخدام التكنولوجيا الطبية: ما الذي لا يجوز؟

استخدام التكنولوجيا في تغيير خلق الله: يعتبر الإسلام أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، وبالتالي فإنه من المحرم تعديل الجينات البشرية أو اللجوء إلى التعديلات الوراثية التي تؤدي إلى تغيير الخلق الإنساني بطرق غير طبيعية. دار الإفتاء أكدت أنه لا يجوز استخدام تقنيات مثل "الاستنساخ البشري" أو إجراء تعديلات جينية قد تؤدي إلى خلق إنسان بطريقة غير طبيعية.

القتل الرحيم (Euthanasia): أشار علماء الدين إلى أن القتل الرحيم يُعد من المحرمات، وهو يتضمن إنهاء حياة مريض ميؤوس من شفائه بناءً على رغبته أو رغبة عائلته. وقد أكدت دار الإفتاء أن الشريعة الإسلامية لا تسمح بقتل النفس بأي حال من الأحوال، مهما كانت الظروف.

التلقيح الصناعي غير الشرعي: أفتت دار الإفتاء بعدم جواز التلقيح الصناعي إذا كان باستخدام البويضات أو الحيوانات المنوية من شخصين غير الزوجين. حيث إن هذا يعد تعديًا على حدود الله في العلاقة الزوجية. التلقيح الصناعي يجب أن يتم في إطار شرعي، أي باستخدام بويضة وزرعها في رحم الزوجة فقط.

استخدام المواد المحظورة: من الأمور المحرمة في الشريعة استخدام تقنيات أو مواد قد تضر بصحة الإنسان بشكل دائم أو تسبب الإدمان، مثل بعض الأدوية المنشطة أو الأدوية التي تحتوي على مواد محظورة. في هذه الحالات، يُحظر استخدام هذه الأدوية حتى وإن كانت تُعتبر جزءًا من العلاج.

موقف الإسلام من التطور الطبي: التوازن بين الدين والعلم

تؤكد دار الإفتاء المصرية أن الإسلام لا يقف ضد العلم والتطور، بل يشجع على السعي وراء المعرفة واكتشاف أسرار الكون. فالطب هو أحد المجالات التي يُنظر إليها من منظور إيجابي في الإسلام طالما كانت الوسائل المستخدمة تتماشى مع الشريعة.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا وَجَعَلَ لَهُ شِفَاءً" (صحيح البخاري)، وهو ما يفتح المجال لاستخدام كل ما من شأنه أن يساهم في التخفيف من معاناة الإنسان، مع الحفاظ على القيم والأخلاقيات الإسلامية.

يُظهر موقف الإسلام من التكنولوجيا الطبية الحديثة توازنًا بين العلم والشريعة. فالإسلام يرحب بكل ما يساهم في حياة الإنسان وصحته، طالما كان في إطار المبادئ الأخلاقية التي أرساها الدين الحنيف، ومع ذلك، يجب دائمًا أخذ الحذر في التعامل مع بعض التقنيات التي قد تتعارض مع أحكام الشريعة، مثل التعديلات الجينية، التلقيح غير الشرعي، والقتل الرحيم.

تم نسخ الرابط