أرقام | زيادة الأجور تتآكل بسبب الغلاء والدخول انكمشت 18% خلال آخر 10 سنوات

على مدار أكثر من عقد، شهدت البلاد تحولات اقتصادية عميقة ضمن مساعٍ لإصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق العام، غير أن تلك الإصلاحات جاءت بكلفة اجتماعية ثقيلة على كاهل المواطنين، بعدما تزايدت الضغوط المعيشية مع تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية للجنيه.
سعر الدولار يقفز 616% منذ 2014
بدأت الدولة رحلة تحرير سعر الصرف تدريجيًا منذ عام 2014، حينما كان الدولار يعادل 7.15 جنيه فقط، ليتضاعف وصولًا إلى نحو 51.2 جنيه في عام 2025، بزيادة بلغت 616%، وعلى الرغم من تلك القفزات، سعت الحكومة إلى تحسين مستوى دخول المواطنين عبر زيادات تدريجية في الحد الأدنى للأجور.
ارتفع الحد الأدنى من 1200 جنيه في 2014 إلى 7000 جنيه في يوليو 2025، أي بزيادة بلغت نحو 483.3%، ورغم أهمية تلك الزيادة، فإنها لم تتناسب مع الطفرات السعرية التي طالت مختلف السلع والخدمات، لاسيما الوقود.
أسعار البنزين تقفز 1837.5%
فيما يتعلق بأسعار الوقود، شهد لتر البنزين 80 – المستخدم على نطاق واسع بين محدودي ومتوسطي الدخل – زيادة من 90 قرشًا فقط في 2014 إلى 15.5 جنيهًا في 2025، أي بزيادة ضخمة وصلت إلى 1837.5%. هذا الارتفاع انعكس بشكل مباشر على تكاليف النقل وأسعار السلع والخدمات، مما زاد من أعباء المواطن.
تضخم متقلب وقمم تاريخية في 3 سنوات
منذ 2014، تراوح معدل التضخم السنوي بين مستويات متباينة، حيث بلغ 10.1% في 2014، وارتفع إلى 30.7% في 2017، عقب قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016. ورغم تراجعه لاحقًا إلى 5.1% في 2020، عاود الارتفاع مجددًا ليسجل مستويات غير مسبوقة، بلغت ذروتها عند 33.9% في عام 2023، تلاها 28.3% في 2024.
وتظهر البيانات أن المواطن المصري واجه ثلاث قمم تاريخية في معدلات التضخم خلال الفترة بين 2017 و2024، وهي الأعوام التي تميزت بتحولات اقتصادية كبيرة، وإجراءات تقشفية ساهمت في رفع أسعار الغذاء والطاقة.
فجوة متزايدة بين الدخل وتكلفة المعيشة
وبمقارنة نسب الزيادة، نجد أن ارتفاع الأجور 483.3% جاء أدنى من زيادة الدولار 616%، وأقل بكثير من قفزة البنزين 1837.5%، ما يعني أن تحسين الأجور رغم ضرورته لم يكن كافيًا لمجاراة الارتفاع الكبير في تكلفة المعيشة، بل على العكس فإن القيمة الحقيقية للدخول - رغم الزيادات المتتالية للأجور على مدار السنوات الماضية - شهدت تراجعًا واضحًا نتيجة الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه أمام الدولار، فمنذ عام 2014 حتى 2025، انخفض الجنيه من 7.15 أمام الدولار إلى 51.2 جنيه، أي فقد نحو 88% من قيمته، هذا التراجع الحاد في سعر الصرف انعكس مباشرة على أسعار السلع المستوردة، ومع ارتفاع التضخم إلى مستويات تاريخية في بعض الأعوام – مثل 30.7% في 2017 و33.9% في 2023 – أصبح دخل المواطن، حتى بعد الزيادات الرسمية، غير كافٍ لتلبية أبسط متطلبات الحياة اليومية، وهكذا، فإن ما يحصل عليه الفرد من أجر اليوم يساوي فعليًا أقل مما كان يحصل عليه قبل عشر سنوات، إذا ما قيس بحجم الأسعار.
الأجور "زادت" بالجنيه.. لكنها "نقصت" بالدولار
وتحليلًا للأرقام الرسمية، عند النظر إلى الحد الأدنى للأجور بالجنيه، نلاحظ أنه ارتفع من 1200 جنيه في 2014 إلى 7000 جنيه في 2025، أي بزيادة قدرها 483.3%، لكن عند تحويل هذه القيم إلى الدولار وفقًا لسعر الصرف في كل عام، تظهر الصورة الحقيقية لتراجع القوة الشرائية كما يلي:
في 2014
الحد الأدنى للأجور = 1200 جنيه
سعر الدولار = 7.15 جنيه
القيمة بالدولار = حوالي 168 دولارًا
في 2025
الحد الأدنى للأجور = 7000 جنيه
سعر الدولار = 51.2 جنيه
القيمة بالدولار = حوالي 137 دولارًا
ورغم الزيادة الاسمية في الأجور، فإن الأجر الفعلي بالدولار انخفض بنحو 31 دولارًا، أي ما يعادل 18.5% تراجعًا في القيمة الدولارية، هذا يعني أن الحد الأدنى للأجر في عام 2025 يشتري فعليًا أقل مما كان يشتريه في 2014، وهو ما يوضح تآكل قيمة الدخل وتأثره المباشر بتراجع الجنيه أمام العملات الأجنبية وارتفاع الأسعار.