رحلة البحث عن المعدن "النفيس"
التنقيب العشوائي عن الذهب.. ثروة مهدرة وعائدات مفقودة للاقتصاد المصري

في قلب الصحراء الشرقية الشاسعة، وبين ثنايا جبالها العريقة التي تحمل أسماءً لها صدى في تاريخ التعدين – حمش، البرامية، عتود، العلاقي، أم رشيد، حجر دنفاش، والفواخير – يتصاعد خطر يهدد البيئة والاقتصاد والمجتمع على حد سواء حيث ظاهرة التنقيب العشوائي عن الذهب، والممارسات غير المنظمة، التي تنفذها عصابات "الذهابة" على عمق يصل إلى ثلاثين مترًا تحت سطح الأرض، تستخدم فيها أحدث التقنيات من أجهزة كشف ومتفجرات ومواد سامة كالزئبق، لتستخرج المعدن النفيس بطرق غير شرعية.
"التنقيب العشوائي" ليس مجرد خروج على القانون، بل هو قنبلة موقوتة تهدد بتلويث البيئة الثمينة وتدمير التنوع البيولوجي الفريد في هذه المناطق. وبالتوازي مع هذه الآثار البيئية المدمرة، تتصاعد المخاطر الاقتصادية التي تقوض جهود التنمية المستدامة في قطاع التعدين، الذي يعد رافدًا حيويًا للاقتصاد الوطني. فبدلًا من أن تكون صناعة الذهب مصدرًا للإيرادات والتنمية، يتحول التنقيب العشوائي إلى عامل هدم يقوض استدامتها، ويتسبب في تدهور البنية التحتية ويعرض حياة العاملين والسكان المحليين لمخاطر جمة.
"الذهّابة"
الذهابة ليسوا مجرد أفراد عاديين، بل عصابات منظمة، مسلحة، تقطن في صعيد مصر والسودان، وكثير منهم هاربون من أحكام قضائية، ويشكلون خطرًا حقيقيًا، حيث يشتبكون مع قوات الأمن عند مداهماتهم، ويُهربون الذهب عبر الحدود السودانية ليباع هناك بأسعار زهيدة، مما يتسبب في خسارة الاقتصاد المصري خسائر كبيرة لا تقل عن 2.4 مليار جنيه سنويًا، وفقًا لتقديرات خبراء التعدين.
ذهب مصر بين السرقة والتنظيم المقترح
من جانبه، قال الجيولوجي محمد إمام إن هناك أكثر من 120 موقعًا معروفًا للذهب في مصر، جميعها بالصحراء الشرقية، وما زالت معظمها غير مستغلة بشكل كافٍ.
وأشار إمام فى تصريحات خاصة لـ "نيوز روم" إلى أن الحل الأمثل يكمن في تقنين أوضاع الذهابة بمنحهم تراخيص محدودة تحت إشراف الدولة، بدلاً من استمرار الفوضى والتهريب.
وأكد الدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية في تصريح خاص لـ"نيوز روم" أن ظاهرة التنقيب غير الشرعي عن الذهب لا تقل خطرًا عن سرقة وتهريب الآثار في القرن التاسع عشر، حين كانت القطع الأثرية تُهدى كهدايا للأمراء والملوك.
وما يحدث الآن بالصحراء الشرقية يعيد نفس المشهد بصورة أشد خطورة، إذ تتحول ثروة البلاد إلى غنائم تُهرب عبر الحدود، بينما الدولة تخسر المليارات".
وأشار إلى أن المادة 42 من قانون الثروة المعدنية تُجرم التنقيب العشوائي، وتصل العقوبة إلى الحبس والغرامة التي قد تبلغ 5 ملايين جنيه، ومع ذلك لا يُطبق القانون بصرامة.
وأكد عامر أن عصابات التنقيب استفادت من الفوضى خلال حكم الإخوان، في ظل تصاعد الفكر السلفي المتطرف الذي لا يعترف بقيمة الآثار أو الثروات المدفونة، بل يعتبرها أوثانًا يجب تحطيمها.
مقترحات للحل
من جانبه أقترح الدكتور طارق خيري جولوجي إنشاء شركات قومية لتنظيم التنقيب، وتقسيم المناطق الحدودية إلى مربعات بمساحة 10 كيلومترات، تمنح بعقود تعدين مرخصة، ما قد يحقق عائدًا يقدر بـ400 مليون دولار سنويًا من المنطقة الواقعة بين ساحل البحر الأحمر وحدود بحيرة ناصر.
وكان وزير البترول المهندس كريم بدوى اعلن سابقا ، عن عدد من المقترحات التي تساهم في القضاء على ظاهرة التنقيب العشوائي عن الذهب، من خلال التوسع في عمليات الرصد والتحليل، وتعزيز جهود الرقابة والتفتيش، وتشديد العقوبات.