حركة النضال الأسود في أمريكا.. الهدوء في الشوارع لا يعني أن المعركة قد انتهت

بعد أن أشعل مقتل جورج فلويد أكبر حركة احتجاجية في التاريخ الأمريكي، يجد النضال الأسود نفسه اليوم أمام منعطف حساس، حيث تتقاطع الاعتبارات العاطفية والتكتيكية بين الأجيال المختلفة من النشطاء.
ورغم عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وبرنامجه الصدامي تجاه التنوع العرقي وإصلاح الشرطة، فإن العديد من النشطاء السود ممن قادوا احتجاجات 2020 يفضلون التراجع عن المشهد العام في الوقت الراهن، إما بدافع الإرهاق النفسي أو لإعادة تقييم الأولويات.
من ساحات التظاهر إلى تكتيكات الظل
ووفقًا لتقرير نشره موقع «أكسيوس» الأمريكي، فإن الصور التي خرجت من مظاهرات "Hands Off!" الأخيرة، والتي اجتاحت الولايات المتحدة احتجاجًا على تخفيضات برامج الرعاية الاجتماعية وحملات الترحيل الجماعي، أظهرت تغيرًا في ملامح الحراك: مشاركون من كبار السن والبيض، مقابل غياب ملحوظ للقيادات السوداء. حتى في الجامعات، حيث اندلعت مظاهرات ضد سياسات الهجرة الجديدة، تصدر المشهد طلاب من أصول لاتينية وآسيوية، في حين ابتعد الطلاب السود عن الخطوط الأمامية. ويشير تفكيك ساحة "Black Lives Matter" الشهيرة في واشنطن، بعد ضغوط من الجمهوريين، إلى انتكاسة رمزية في مسار الحركة.

كواليس الانسحاب المؤقت
يعزو بعض النشطاء انسحابهم من المشهد إلى الإرهاق العاطفي، لا سيما بعد الهزيمة الانتخابية لنائبة الرئيس كامالا هاريس، أول امرأة سوداء ترشحها أحد الأحزاب الكبرى لمنصب الرئاسة، رغم حصولها على دعم ساحق من الناخبين السود. وفيما يُنظر إلى نتائج الانتخابات كصفعة جديدة لجهود النهوض بالعدالة العرقية، يتبنى البعض خطاب "الراحة كأداة مقاومة"، حيث قالت نينا سميث، المستشارة بحركة "حياة السود مهمة": "أفضل ما يمكنني فعله الآن هو العناية بنفسي".
الخوف من القمع
يشير مراقبون إلى تحوّل جذري في أسلوب المقاومة، حيث بات النشطاء يركزون على الضغط الاقتصادي، والتنظيم الرقمي، وبناء التحالفات بعيدًا عن الأنظار، في ظل مخاوف متزايدة من الملاحقة والاعتقال، خاصة في عهد ترامب الذي لا يخفي عداءه للحقوق المدنية.
ويشهد الحراك تحوّلًا جيلًا، مع انتقال الراية من رموز الحقبة المدنية إلى وجوه جديدة، مثل القس جمال براينت الذي أطلق حملة لمقاطعة سلسلة متاجر "تارجت"، والمعلقة السياسية أنجيلا راي التي تدير اجتماعات استراتيجية مغلقة، تدعو إلى ثقافة "الراحة كفعل نضالي".

المقاومة الهادئة
في مواجهة الانتقادات التي طالت هذا التراجع، ذكّر القس ويليام باربر بأن القادة التاريخيين مثل إيلا بيكر وروزا باركس لم يكونوا آلات لا تعرف الراحة، قائلاً: "حتى هارييت توبمان كانت تتوقف للنوم أثناء تهريب العبيد".
ويرى الكاتب ستيف فيليبس أن الحركة تمر بمرحلة "إعادة التموضع" وليس الانسحاب، مؤكداً أن "الهدوء في الشوارع لا يعني أن المعركة قد انتهت".