من الشريك المثالي للمُنقذ الوهمي.. كيف تقودنا الجراح النفسية إلى علاقات معقدة؟

في عالم العلاقات العاطفية، الجميع يبحث عن الشريك المثالي، وكثيرون يظنون أنهم يبحثون عن نصفهم الآخر، عن شريك يشاركهم الأحلام والتطلعات ويمنحهم الشعور بالاكتفاء لكن، خلف هذا التوق الظاهري، قد يكمن دافع أعمق وأكثر تعقيدًا: البحث عن من يُنقذنا من ألم قديم لم يُشفَ بعد.
الجروح النفسية قد تقود اختياراتنا العاطفية دون وعي
تشير دراسات علم النفس إلى أن تجارب الطفولة تلعب دورًا محوريًا في تشكيل أنماط الارتباط العاطفي لدينا، فالشخص الذي لم يتلقَ الحب غير المشروط أو الحماية الكافية في صغره، قد ينتهي به الأمر إلى الانجذاب نحو علاقات تكرّر نفس الألم، على أمل لا واعٍ في إصلاح ما مضى.
على سبيل المثال، قد ترتبط امرأة عانت من الإهمال العاطفي في طفولتها برجل بارد المشاعر، ليس بدافع الحب الحقيقي، بل كامتداد لا شعوري لسعيها نحو إغلاق جرح قديم. بالمثل، قد يجد رجل نفسه في علاقة مع شريكة تحتاج إلى دعم دائم، في محاولة لإثبات قيمته عبر تلبية احتياجاتها.

العلاقات.. انعكاس خفي لاحتياجات لم يتم تلبيتها
العلاقات الرومانسية، في كثير من الأحيان، تعمل كمرآة عاكسة لما نخفيه داخلنا من احتياجات ومخاوف، الشخص الذي نعتقد أنه "شريك مثالي" قد يكون في الحقيقة وسيلة لا شعورية لإعادة تمثيل مشهد مؤلم من الماضي. وهكذا، بدلًا من المضي قدمًا، نقع في فخ تكرار نفس الأخطاء، ظنًا منا أن الحب سيصلح كل شيء.

حين يتحول الشريك إلى منقذ.. العلاقة تصبح عبئًا
الخلط بين الحب والدعم النفسي غير المشروط قد يؤدي إلى علاقات غير متوازنة. فعندما نحمّل الشريك مسؤولية إسعادنا أو ملء فراغاتنا العاطفية، يتحول من شريك إلى منقذ. ومع الوقت، يشعر الطرفان بالإرهاق؛ المنقذ من عبء الدور، والمُنقَذ من شعور دائم بالعجز.
كيف نبني علاقة عاطفية صحية قائمة على الوعي؟
الخطوة الأولى تكمن في الاعتراف بالجروح الداخلية، الوعي هو مفتاح التغيير. فبدلاً من السعي وراء من "يُكملنا"، علينا أن نصل إلى مرحلة من الاكتفاء الذاتي، نبحث فيها عن شخص يشاركنا الطريق لا من يحمل أعباء ماضينا.

طرح أسئلة مثل:
- هل أبحث عن الحب كتعويض عن شعور داخلي بالنقص؟
- هل أتمسك بشخص يؤذيني لأنني اعتدت على الألم كجزء من الحب؟
- هل أخشى انتهاء العلاقة لأنني أخاف مواجهة ذاتي؟
- يمكن أن يكشف الكثير عن دوافعنا الخفية ويساعدنا في اتخاذ قرارات صحية على المستوى العاطفي.

الحب الحقيقي لا يُداوي الجرح بل يُنيره
الحب الناضج لا يقوم على ترميم ما كُسر، بل على مشاركة الحياة بوعي، وبدون توقعات تُثقل العلاقة، هو ارتباط بين شخصين مكتملين داخليًا، لا يبحث أحدهما عن منقذ، بل عن رفيق يُضيء الطريق.
وفي النهاية، العلاقة الصحية لا تقوم على إنقاذ أحد الطرفين، بل على شراكة قائمة على الدعم، التفاهم، والنضج العاطفي، وحين نعي هذا، نتوقف عن إعادة تمثيل الماضي، ونبدأ في كتابة قصة حب جديدة... أكثر وعيًا، وأكثر صدقًا.