حتى سنوات قليلة مضت، كان يمكن رؤية مشجع ينزل إلى أرضية الملعب ويشتبك مع لاعبين، وكان يمكن أيضًا رؤية جماهير تتعارك وضحايا تسقط ودماء تسيل على أرضية المدرجات، تلك الوقائع شأنها شأن عدة أخطاء كانت جزء من كرة القدم على مدار عقود حتى صار هناك مشجعين معروفين بعنفهم وآخرون مشهورون بالثأر، ولأن كرة القدم وحّدت الشعوب فإن العنف في الملاعب لم يفرق بين أوروبي وأفريقي ولاتيني، الجميع شارك في نفس الجريمة.
لكن لأن الخطأ ليس عيبًا بل العيب في عدم إصلاحه، شهدنا خلال السنوات الماضية تصحيح الكثير من أخطاء الساحرة المستديرة مثل اختراع "الفار" لتقليل الأخطاء التحكيمية وتغليظ العقوبات على المخالفين وأخيرًا استخدام الذكاء الاصطناعي في منع شغب الملاعب، لكن للأسف كل هذا لم يصل إلينا بعد، ففي الأيام الماضية رأينا مناوشات بين جماهير الترجي وصن داونز في المباراة التي جمعت بينهما، كذلك حدث شغب في مباراة الزمالك الأخيرة بجنوب أفريقيا، لذلك كان يجب طرح السؤال وهو كيف تمكنت دول غربية كثيرة من تقديم كرة قدم آمنة للجميع وما دور الذكاء الاصطناعي في ذلك بالضبط؟
من خلال مشاركتي في مؤتمرات دولية متخصصة في الأمان الرياضي والتكنولوجيا مثل مؤتمر "Sports Innovation Summit 2024" ومؤتمر "International Conference on AI in Sports Security 2023" و "World Stadium Safety & Security Forum 2023" لاحظت أن الدوريات العالمية صارت تعتمد على عدة آليات نحاول شرحها في السطور التالية:
أول تلك الآليات هي المراقبة الذكية بالكاميرات المتطورة "Smart Surveillance Cameras" إذ لم تعد مجرد أجهزة تصوير عادية بل هي كاميرات مزودة بعدة تقنيات مثل "Facial Recognition" أي التعرف على الوجوه وذلك لتحديد هويات المشجعين ومنع دخول الأشخاص الممنوعين أو من سبق تورطهم في أعمال شغب، هذا بالإضافة إلى "Behavioral Analytics" أي تحليل سلوك الأفراد إذ أن تلك الكاميرات يمكنها التمييز بين المشجع العادي والمشجع صاحب السلوك العدواني، بجانب خاصية "Thermal Imaging" والمقصود بها الرؤية الحرارية التي تساعد في كشف التجمعات غير الطبيعية أو التحركات المريبة وسط المدرجات.
الآلية الثانية لمنع شغب الملاعب هي الذكاء الاصطناعي في تحليل الفيديو "AI-Powered Video Analytics"، إذ لم يعد الأمر مجرد تسجيل فيديو فقط بل تحليل للمشاهد في الوقت الفعلي والبحث عن أي أنماط عنف مثل تحرك مجموعة مشجعين بطريقة غير طبيعية أو رفع أيديهم أو أي إشارة عدوانية "Aggressive Gestures"، وبمجرد حدوث ذلك يتم إرسال اللقطات في هيئة إنذار للأجهزة المسئولة عن تأمين الملعب فورًا.
كما تشمل تلك الآلية "Risk Mapping" وهي آلية تحلل تحركات الجماهير وتحديد المناطق التي يمكن أن تبدأ المشكلات منها، وفي حالة ارتفاع نبرة الصياح أو التلفظ بألفاظ عدوانية تخدد الميكروفانات الذكية مصدر الصوت وتحلل في خاصية تعرف بـ"Audio Analytics".
ولمنع شغب الملاعب أيضًا لجأ المسئولين عن المنظومات الرياضية في دول الغرب إلى تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ بالأحداث "Big Data & Predictive Analysis"، والتي تقوم بمقارنة البيانات التاريخية بمعنى إنه لو حدث شغب في مباراة سابقة بين فريقين، فإن هذا النظام يتوقع تكرار الأمر ما يدفعه إلى رفع مستوى التأمين مسبقًا ورصد التجمعات.
كما تشمل الطرق والآليات مراقبة "هشتاجات" منصات التواصل الاجتماعي لمتابعة ما يتم تداوله والوقوف على أي تحريض على الشغب لأخذ الاحتياطات الكافية، لكن الأهم أن كل تلك الأنظمة والآليات يتم ربطها ببعضها من خلال إنترنت الأشياء "IoT-based Security System" أي شبكة كاملة توفر صورة كاملة عن الوضع من أجهزة وميكروفونات وبوابات إلكترونية وحتى طائرات بدون طيار "Drones" داخل وخارج الاستاد.
وإذا كانت تلك هي الطرق والآليات فعلينا أن نعرف أن نتائجها كانت مبهرة إذ أسفرت عن تقليل الشغب بنسبة 70% في الدوريات التي تم تطبيقها فيها، وزيادة سرعة التدخل الأمني بنسبة 50 % لأن أجهزة الإنذار فورية كما عملت على تحسين تجربة المشجعين في الاستمتاع ببيئة آمنة دون مشاكل.
ببساطة ووضوح لم تعد التكنولوجيا مجرد رفاهية، إنها حاجة أساسية لتأمين الملاعب خاصة مع زيادة أحداث الشغب في البطولات الكبيرة ويجب على مصر بما تتمتع به من تاريخ رياضي عريق وجمهور بالملايين أن تبدأ في تطبيق تلك الأنظمة في البطولات المحلية والبطولات القارية التي يمكن أن نستضيفها قريبًا والسؤال: هل نحن جاهزون لكل ذلك فعلا؟