عاجل

رئيس جامعة الأزهر يعرض موقف الشيخ «عرجون» من نظرية «الانفجار الكبير»

الشيخ عرجون
الشيخ عرجون

أكد أ.د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن القلوب التي يسكنها القرآن الكريم هي قلوب موصولة بالله، وأن القلوب الموصولة بالله هي القلوب المطمئنة التي تهدأ وتسكن، وتزول عنها الشكوك والأوهام، والفلسفات الضالّة، والأفكار الشاذة المنحرفة، والصراعات، والأمراض النفسية التي قد تودي بصاحبها إلى الهلاك والانتحار، موضحًا أن ذكر الله هو مصدر الطمأنينة الحقيقية للقلوب، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.

وأوضح رئيس جامعة الأزهر، خلال كلمته التي ألقاها اليوم السبت بالجامع الأزهر الشريف، في احتفالية تكريم الفائزين في مسابقة حفظ القرآن الكريم التي ينظمها الجامع الأزهر بالتعاون مع بنك فيصل الإسلامي المصري، أن فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يبعث بتحياته وتهانيه الخالصة لأبنائه وبناته الفائزين، مؤكدًا أن الإمام الأكبر يرى أن كل من شارك في هذه المسابقة هو فائز؛ لأن كل من عاش مع القرآن الكريم فهو في فوز عظيم، وأن الله سبحانه وتعالى هيّأ للقرآن الكريم حملة يحافظون عليه ويقومون به ليلًا ونهارًا.

د. سلامة داود خلال تكريم حفظة كتاب الله: الأزهر يتنفَّس بالقرآن الكريم ويقوم على خدمته تعليمًا وحفظًا وتدبُّرًا

وأشار إلى أن الأزهر الشريف كان ولا يزال الرئة التي يتنفّس بها القرآن الكريم، وأن القرآن هو رئة الأزهر التي يحيا بها، فلا ينقطع تلاوته عن أبنائه وبناته، ولا عن مؤسساته، ولا عن هذا الجامع العتيق ليلًا ولا نهارًا، مؤكدًا أن الأزهر الشريف قام على شرف خدمة كتاب الله تعليمًا وحفظًا وتلاوةً وتفسيرًا، وأن هذه الرسالة تمثل جوهر وجوده ودوره عبر العصور.

وأشاد رئيس جامعة الأزهر بالدور الذي يقوم به الجامع الأزهر الشريف في خدمة القرآن الكريم وأهله، موجّهًا الشكر إلى القائمين على تنظيم المسابقة، ومؤكدًا أن هذه الاحتفالية جاءت ثمرة تعاون مثمر بين الأزهر الشريف وبنك فيصل الإسلامي المصري، وبرعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر، وبمتابعة من قيادات الأزهر، في إطار خدمة كتاب الله وحفّاظه، والقيام بواجب العناية بأهل القرآن.

وأوضح فضيلته أن القرآن الكريم هو النور بعد الظلمات، وهو الصبح بعد الليل الذي عسعس طويلًا على البشرية، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾، مبيّنًا أن القرآن بالنسبة للمؤمن هو حياته وروحه ونَفَسه، كما أن الصبح إذا تنفّس يجدّد حياة الإنسان ويجدّد حياة الكون كلّه، وأن القرآن الكريم هو النفس الذي تتجدد به حياة المؤمن.

وبيّن رئيس جامعة الأزهر أن حامل القرآن يعيش حالة من الطمأنينة والأمان، وهو سالم من كثير من الموبقات؛ لأنه مع كتاب الله حالٌّ مرتحل، كلما أتم ختمة بدأ أخرى، لا ينقطع، ولا يشبع، ولا يملّ، ويُعرف بين الناس بالسكينة والوقار، لما غرسه القرآن الكريم في قلبه من مهابة الله وخشيته، مؤكدًا أن من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله خوّفه الله من كل شيء.

وأكد فضيلته أن هذه الصحبة المباركة بين القرآن الكريم وحامله تجعل لحامل القرآن نعيمًا دائمًا لا ينقطع، فهو نعيمه في الدنيا، ونعيمه في الآخرة في الجنة بإذن الله، مستشهدًا بالحديث الشريف: «يُقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنتَ ترتِّل في الدنيا»، موضحًا أن قارئ القرآن موصول بالقرآن دنيا وأخرى، لا يفارقه أبدًا، فهنيئًا لأهل القرآن الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى وجعلهم أهله وخاصته.

وتوقف رئيس جامعة الأزهر عند نعيم أهل العلم بالقرآن الكريم، موضحًا أن من أعظم ما يمنحه الله لهم حلاوة الفهم والتدبّر والتأويل، وأن يكشف لهم الحُجُب عن أسرار القرآن وأنواره، وهي لذّة لا يُقادر قدرها، مستشهدًا بقول شيخ المفسرين الإمام محمد بن جرير الطبري: «إني لأعجب ممن يقرأ القرآن ولا يعلم تأويله، كيف يلتذّ بقراءته؟»، موضحًا أن هذه الكلمة كانت سببًا في عكوف الإمام الطبري على تفسير القرآن الكريم، وكانت كذلك دافعًا لشيخ العربية محمود محمد شاكر رحمه الله إلى تحقيق هذا التفسير تحقيقًا علميًّا دقيقًا لا نظير له.

وسرد رئيس جامعة الأزهر رؤيا رآها منذ نحو خمس عشرة سنة، قال فيها إنه رأى شيخه العلامة أ.د. محمد أبو موسى، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، يقرأ القرآن الكريم بأعذب صوت، ثم لقيه بعد ذلك في المسجد الحرام وقصّ عليه هذه الرؤيا، فقال له: «إني أنظر الآن في (آل حم)»، موضحًا أنه عندما طُبعت دراسات الشيخ في «آل حم» وجدها تكشف عن كثير من أسرار القرآن وحلاوته وتذوّقه، فعلم أن عذوبة الصوت التي رآها في الرؤيا لم تكن جمالًا نغميًّا فحسب، وإنما كانت حلاوة الفهم، وعمق التدبّر، ورِقّة الأسرار على طبقات المعاني، وأن حسن التلاوة الحقيقي ثمرة حسن الفهم والتأويل.

وأكد فضيلته أن التدبّر في القرآن الكريم يعصم من قواصم الفكر المهتزّ، ويردّ من خالف الجادّة بحجّة ناهضة قوية، موضحًا أنه حين شغلت قضية نشأة الكون عقول العلماء في العصر الحديث، وأجمعت كلمتهم على أن السماوات والأرض كانتا كتلةً واحدة انفجرت فانفصل كلٌّ منهما عن الآخر، واشتهر ذلك بما عُرف بالانفجار الكبير، أيّد بعض علماء الإسلام هذا الرأي واستشهدوا بقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾.

وأضاف رئيس جامعة الأزهر أن العلّامة الأزهري الكبير الشيخ محمد الصادق عرجون رحمه الله تعالى رفض هذا التفسير رفضًا قاطعًا، مؤكدًا أن القرآن الكريم صريح في بيان ترتيب الخلق، حيث خُلقت الأرض وحدها أولًا في أربعة أيام، ثم خُلقت السماء بعدها في يومين، مستدلًا بقوله تعالى: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ... ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ... فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾، موضحًا أن جمع النصوص القرآنية وضمّ بعضها إلى بعض يكشف عن أسرار الخلق، ويحفظ الفكر من التسرّع في إسقاط النظريات على النصوص الشرعية.

وفي ختام كلمته، أكد رئيس جامعة الأزهر أن الأزهر الشريف قام، ولا يزال، على حفظ كتاب الله وخدمته تعليمًا وحفظًا وتلاوةً وتفسيرًا، في معاهده وجامعته ومجمع بحوثه وجميع قطاعاته، مؤكدًا أن الأزهر يتنفّس بالقرآن الكريم صباحًا ومساءً، موجها تهنئة خالصة من الأزهر الشريف، ومن فضيلة الإمام الأكبر وقيادات الأزهر، إلى أبنائه وبناته الفائزين في المسابقة، سائلًا الله أن يجعلهم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

تم نسخ الرابط