عاجل

تمر مصر بمفترق طرق حاسمة، حيث تتعثر نماذج التمويل التقليدية القائمة على الاقتراض في تلبية احتياجات التنمية الضخمة، بينما تهدد تراكم الديون باختطاف المستقبل ورهن قرارها السيادي في هذا المنعطف الحرج، تبرز الحاجة الملحة إلى نموذج مصري مبتكر لتمويل التنمية، لا يعتمد على زيادة الأعباء والديون، بل على استغلال الأصول غير المستغلة وتحفيز رأس المال الخاص المحلي والعالمي، من خلال أدوات تمويلية ذكية تخلق شراكات مربحة للجميع إن فلسفة هذا النموذج تقوم على تحويل كل شبر في مصر إلى أصل منتج، وكل فكرة إلى مشروع، وكل مواطن إلى مستثمر محتمل.

يمكن أن يكون حجر الزاوية في هذا النموذج هو إصدار "صكوك التنمية السيادية"، وهي أدوات مالية إسلامية تتوافق مع الشريعة، يتم من خلالها تمويل مشروعات قومية محددة ذات عائد مضمون، مثل محطات تحلية المياه بالطاقة الشمسية أو الطرق الذكية أو المدن الصناعية هذه الصكوك لا تمثل ديناً على خزينة الدولة، بل هي حصة في ملكية مشروع يدر أرباحاً، يمكن طرحها للمواطنين العاديين في الداخل وللمصريين في الخارج وللمستثمرين الدوليين، مما يحول الجميع من مجرد مراقبين إلى شركاء حقيقيين في عملية البناء بهذه الطريقة، لا تمويل فقط دون ديون، بل نبني قاعدة شعبية عريضة مناصرة للتنمية.

الأداة الثانية الأكثر فعالية هي تطوير نموذج "الشراكات العامة-الخاصة" إلى مستوى أعلى، من خلال إنشاء "منصات استثمارية قطاعية" تجمع بين رأس المال الحكومي والمحلي والأجنبي في شركات مساهمة لإدارة وتشغيل قطاعات كاملة مثل السكك الحديدية، الموانئ، أو شبكات الري الحديثة بدلاً من أن تتحمل الدولة وحدها تكلفة إنشاء وتطوير هذه البنى التحتية، تقدم الأرض أو التراخيص كحصة، ويقدم القطاع الخاص التمويل والخبرة، ويتم توزيع الأرباح لسنوات قادمة هذا النموذج يحول الأعباء الثابتة على الموازنة إلى تدفقات إيرادية مستقبلية، ويضمن نقل الخبرات والتكنولوجيا.

لا يمكن إغفال دور "التمويل الجماعي" الرقمي كأداة ثورية لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد حقيقي. من خلال منصة وطنية آمنة، يمكن لآلاف المصريين استثمار مدخراتهم الصغيرة في تمويل مشاريع صغيرة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، السياحة البيئية، أو الصناعات الحرفية في قرى ومدن الصعيد وسيناء، مع ضمانات من الدولة أو من صناديق ضمان متخصصة. هذا لا يوفر التمويل اللازم فقط، بل يخلق شبكة أمان اجتماعي واقتصادي، ويحفز روح المبادرة في كل قرية.

الاستثمار في المستقبل لا يقتصر على البنية التحتية المادية فحسب، بل يمتد إلى رأس المال البشري هنا يأتي دور "سندات الأثر الاجتماعي"، حيث يتم جذب مستثمرين لتمويل برامج تدريبية أو تعليمية أو صحية، ويحصلون على عائد مالي من الدولة في حال تحقيق هذه البرامج لأهداف محددة مسبقاً، مثل خفض معدلات البطالة في منطقة معينة أو تحسين مؤشرات الصحة العامة هذه الآلية تحول الإنفاق الاجتماعي من كونه عبئاً إلى استثمار منتج.

في الختام، لم يعد خيار الاعتماد على الديون مجدياً، والحل ليس في التوقف عن التنمية، بل في إعادة اختراع أدوات تمويلها النموذج المصري المبتكر لتمويل التنمية يجب أن يجمع بين الحكمة المالية والابتكار، والجمع بين الموارد المحلية والشراكات الدولية الذكية بهذه الرؤية، يمكن لمصر أن تبني مستقبلها بأموالها وأفكارها، دون أن ترهن حريتها وقرارها للأجيال القادمة

 

تم نسخ الرابط