عاجل

89 حالة اعتداء جسدي..

بين التوترات وتهديدات اليمين المتطرف.. تزايد العنف ضد الصحفيين في ألمانيا

احتجاجات الصحفيين
احتجاجات الصحفيين

في تقريرها السنوي الذي نشرته 8 أبريل 2025، سلطت منظمة "مراسلون بلا حدود" الضوء على تصاعد العنف ضد الصحفيين في ألمانيا خلال العام 2024. 

وبحسب تقارير إعلامية، فإن هذه الظاهرة أثارت قلقاً واسعاً في الأوساط الإعلامية، حيث وثقت المنظمة 89 حالة اعتداء جسدي على صحفيين بالإضافة إلى هجمات على مقرات إعلامية، مما يعكس تزايدًا ملحوظًا في الاعتداءات على وسائل الإعلام والعاملين فيها في البلاد.

 يمثل هذا الرقم ضعف عدد الهجمات التي تم تسجيلها في العام السابق 2023، الأمر الذي يعكس تنامي بيئة العداء تجاه الصحافة والإعلام في ألمانيا.
 


تزايد الاعتداءات: الأسباب والمظاهر

وفقًا للتقرير، فإن 75 من بين الـ 89 حالة اعتداء تمثل هجمات جسدية على الصحفيين، بينما كانت 14 حالة عبارة عن اعتداءات على مقرات صحفية أو مبانٍ سكنية تتعلق بالصحفيين. 

ويظهر هذا التوزيع أن الاعتداءات لا تقتصر فقط على الصحفيين الميدانيين الذين يتواجدون في موقع الحدث، بل تشمل أيضًا المؤسسات الإعلامية نفسها، ما يعني أن هذه الهجمات تشكل تهديدًا غير مسبوق للحرية الصحفية في ألمانيا.
لقد كان العام 2024 عامًا مقلقًا في هذا الصدد، حيث ارتفعت الهجمات بنسبة كبيرة مقارنة بالعام 2023، الذي سجل 41 حالة اعتداء فقط. 

وهذا يشير إلى تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية في البلاد، وخاصة في ضوء التطورات المتسارعة على الساحة الدولية، مثل الصراعات في الشرق الأوسط. 

ورغم أن الأرقام لا تزال أقل من تلك التي تم تسجيلها في عام 2022، الذي شهد 103 هجمات في سياق أزمة كورونا، إلا أن الزيادة في عدد الهجمات تظل مثيرة للقلق.
 


برلين الأكثر تضررًا

من بين الهجمات الـ89، وقع العدد الأكبر منها في برلين، حيث تم تسجيل 49 حالة اعتداء، وهو ما يعكس كثافة الأحداث السياسية التي تشهدها العاصمة الألمانية.

 وتعتبر برلين بؤرة رئيسية للمظاهرات السياسية والاحتجاجات التي تتعلق بالعديد من القضايا الدولية والمحلية. 

وبعد برلين، جاءت ولايات بافاريا وساكسونيا التي سجلت 8 حالات هجوم في كل منهما، مما يشير إلى انتشار الظاهرة في مناطق متعددة من البلاد، وهو ما يعكس تصاعد التوترات السياسية في ألمانيا بشكل عام.
تتعدد أسباب هذه الاعتداءات، وتختلف بحسب نوع الاحتجاجات أو الفعاليات التي كانت تجري في تلك الفترة.

 وفي كثير من الحالات، كانت الهجمات تحدث خلال المظاهرات التي تتعلق بالصراعات في الشرق الأوسط، خاصة تلك التي تركز على الحرب في غزة.

 ففي هذا السياق، وقعت 38 هجمة من أصل 66 هجمة حدثت أثناء مظاهرات سياسية، الأمر الذي يعكس مدى تأثير هذه الصراعات على الحياة السياسية والإعلامية في ألمانيا.
 


هجمات اليمين المتطرف والمناهضين للإجهاض

من جانب آخر، أشار التقرير إلى أن 21 حالة من الهجمات تم تنفيذها من قبل جماعات اليمين المتطرف، بالإضافة إلى أولئك الذين يتبنون نظريات المؤامرة. 

هذه الهجمات عادة ما تتسم بالعدوانية والتطرف، وتشير إلى مدى تنامي خطاب الكراهية والعنف في بعض الدوائر السياسية والاجتماعية في ألمانيا. 

يعد هذا النوع من الاعتداءات مقلقًا بشكل خاص لأنه يعكس تصاعد التوترات في السياسة الداخلية ويثير تساؤلات حول سلامة الصحفيين في بيئة معادية ومتزايدة في عدائيتها تجاه وسائل الإعلام.

لكن هناك ظاهرة أخرى لا تقل خطورة وهي الهجمات التي ينفذها مناهضو الإجهاض، وهي مجموعة تشهد تصاعدًا في ألمانيا على غرار العديد من الدول الغربية الأخرى. 

هؤلاء يرفضون ما يرونه حرية صحفية تدعم سياسات الحكومة في قضايا معينة مثل حقوق المرأة والإجهاض، مما يؤدي إلى تصعيد أعمال العنف ضد الإعلاميين الذين يغطيون هذه المواضيع.
 


من الضرب إلى رذاذ الفلفل

لم تقتصر الهجمات ضد الصحفيين على الاعتداءات الجسدية التقليدية مثل الضرب والركل، بل استخدم المعتدون أساليب أخرى غير مألوفة في الهجوم على الصحفيين. 

وأشار التقرير إلى تعرض الصحفيين للضرب المبرح، بالإضافة إلى تعرضهم للطرد من مواقع عملهم، ورشهم برذاذ الفلفل، حتى قذفهم بأكواب القهوة والبيض النيء. 

كما شملت الهجمات تحطيم معداتهم الصحفية، ما يعكس مدى تعمد هذه الهجمات للإضرار بعملهم المهني وعرقلة تغطيتهم للأحداث.

اليمين المتطرف.. عنف غير معلن

من الأمور التي حذرت منها منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقريرها هي تلك الهجمات التي لم يتم الإعلان عنها من قبل الصحفيين أنفسهم، خاصة تلك التي نفذها التيار اليميني المتطرف. 

في هذه الحالات، يتعرض الصحفيون المحليون لضغوط كبيرة ولا يبلغون عن الاعتداءات خوفًا من المزيد من العنف أو بسبب نقص الحماية القانونية.

 وهذا يشكل تحديًا كبيرًا في العمل الصحفي داخل ألمانيا، حيث يُتوقع من الصحفيين أن يواصلوا عملهم في بيئة معادية دون أن تتوفر لهم آليات فعالة لحمايتهم.
 

 

 عدو الشعب أم ضمير الأمة؟

يحذر تقرير "مراسلون بلا حدود" من أن الصحفيين في ألمانيا يواجهون في الوقت الراهن بيئة متزايدة من العداء تجاه الصحافة. 

هذا الشعور المتزايد ينعكس في النظرة العامة للمجتمع، حيث يرى العديد من الأشخاص الصحفيين ذوي الآراء السياسية المخالفة كأعداء للمجتمع أو أعداء للوطن، وهذا يعد تحديًا خطيرًا على حرية الصحافة التي تعتبر جزءًا أساسيًا من النظام الديمقراطي في ألمانيا.
التقرير أشار أيضًا إلى أن هذه الهجمات تتزايد بشكل خاص في سياق الحرب في غزة، التي أدت إلى تضييق نطاق الخطاب العام في تغطية الأخبار المتعلقة بإسرائيل والأراضي الفلسطينية.

 وعلى الرغم من وجود تنوع إعلامي في ألمانيا، فإن هذا التنوع بدأ يتعرض لضغوط كبيرة، خاصة في ظل الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي يواجهه الصحفيون.
 


توجهات مستقبلية

من حيث المبدأ، لا يزال التنوع الإعلامي في ألمانيا مرتفعًا مقارنة بالكثير من الدول الأخرى. ولكن من الضروري أن تقوم الحكومة الألمانية بتقديم المزيد من الحماية الصحفية في المستقبل، خاصة في مواجهة تهديدات العنف من مختلف الأطراف السياسية.

 من المهم أن يتم تعزيز تشريعات حماية الصحفيين وتوفير آليات فعالة لضمان سلامتهم أثناء تأدية عملهم، لضمان استمرار العمل الصحفي في بيئة حرة وآمنة.

تم نسخ الرابط