عاجل

هل طين الشوارع الناتج من الأمطار يؤثر على صحة الوضوء؟

المطر
المطر

يتساءل كثير من الناس، خاصة في أيام الأمطار، عن حكم طين الشوارع الذي قد يصيب البدن أو الثياب أو الأحذية، وهل يؤثر ذلك على صحة الوضوء أو الصلاة.


هل طين الشوارع الناتج من الأمطار يؤثر على صحة الوضوء؟

أكدت دار الإفتاء أن الأصل طهارة طين الشارع، فإذا أصاب الوحلُ المكلفَ في بدنه أو ثيابه أو حذائه فهو طاهر، ما لم تكن عينُ النجاسة ظاهرة فيه، فيجب حينئذٍ إزالتها، أمَّا إذا لم تُرَ عينُها فمعفوٌّ عنها، ولا يلزم المكلف شيء بخصوصها، وفي كل الأحوال لا تكون إصابته بالطين ناقضًا للوضوء أو موجبًا له بحالٍ من الأحوال.

حكم طهارة البدن والثوب لمن يريد الصلاة

مِنَ المُقَرَّرِ شرعًا أنَّ الطهارة مقصد شرعي، وشرط معتبر في صحة العديد من العبادات، كالصلاة والطواف ومَسِّ المصحف، وقد حَثَّتِ النُّصوصُ الشرعية على ملازمة المسلم للطهارة في مختلف الأحوال؛ لما لها من أَثَرٍ بالغٍ في تزكية النفس وتهذيبها، وتحقيقِ كمال العبودية لله تعالى، إذ هي سِمةٌ من سمات المؤمنين؛ قال تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» أخرجه الإمام البخاري.

فطهارة البدن والثوب شرط من شروط صحة الصلاة، فيلزم أن يكون بدن المصلي وثوبه طاهرين من النجاسة إلا ما عفى الشرع عنه.

أثر طين الشوارع الناتج من الأمطار على صحة الوضوء

إذا أصاب المسلمَ شيء من طين الشارع بعد سقوط المطر، فالأصل في الطين الناتج عن امتزاج تراب الأرض مع مياه الأمطار الطهارة؛ لِأَنَّه اختلاط مَاءٍ طَاهِرٍ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ؛ لقوله تعالى:
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾.

قال الإمام البغوي في معالم التنزيل:
والطهور هو: الطاهر في نفسه المطهر لغيره، فهو اسم لما يُتَطَهَّرُ به.

وروى سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي… وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ» متفق عليه.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
استُدِلَّ به على أنَّ الطهور هو المطهر لغيره؛ لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سيق لإثباتها.

فإذا همَّ المكلف بأداء الصلاة وقد أصاب ثيابه أو بدنه هذا الوحل؛ فصلاته صحيحة ووضوؤه باقٍ؛ لأن الأصل طهارة طين الشوارع ولا نخرج عن هذا الأصل إلا بيقين.

أمَّا إذا كان الطين مختلطًا بنجاسةٍ ظاهرةٍ عينُها: وجب على المكلف إزالة عين النجاسة التي علقت بثيابه أو بدنه، وغسل محلها ما أمكن ذلك، ولا تؤثر إصابة النجاسة في وضوء المكلف؛ إذ ليست النجاسة من نواقض الوضوء، فلا ينتقض بها.

قال الإمام الشرنبلالي الحنفي في مراقي الفلاح:
وردغة الطين والوحل الذي فيه نجاسة عفو، إلا إذا علم عين النجاسة للضرورة.

وقال الإمام الحطاب المالكي في مواهب الجليل:
ولا بأس بطين المطر المستنقع في السكك والطرق يصيب الثوب، أو الخف أو النعل، أو الجسد، وإن كان فيه العذرة وسائر النجاسات وما زالت الطرق وهذا فيها وكانت الصحابة يخوضون في طين المطر ويصلون ولا يغسلونه، وأشار إلى أنه لا يُعفى عمن أصابته عين النجاسة.

وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج:
وطين الشارع المتيقن نجاسته يُعفى عنه في الثوب والبدن وإن انتشر بعرق أو نحوه مما يحتاج إليه، عما يتعذر الاحتراز عنه غالبًا.

وقال الإمام البهوتي الحنبلي في كشاف القناع:
وطين الشارع وترابه طاهر وإن ظنت نجاسته؛ لأن الأصل الطهارة ما لم تُعلم نجاسته، فيُعفى عن يسيره.

أمَّا إذا اختلط الطين بنجاسة خفية لا تُرى عينها، سواء تيقن المكلف منها أو غلب على ظنه وجودها، فهو معفوٌّ عنها مطلقًا للضرورة عند الحنفية، وهو المختار للفتوى، واشترط المالكية ألَّا تكون النجاسة غالبة، بينما اشترط الشافعية أن يعسر الاحتراز منها في الثوب أو البدن لا المكان، واشترط الحنابلة أن يكون الطين المصيب يسيرًا.

قال الإمام ابن عابدين الحنفي في رد المحتار:
طين الشوارع عفو، وإن ملأ الثوب للضرورة ولو مختلطًا بالعذرات وتجوز الصلاة معه.

وقال الشيخ الدردير المالكي في الشرح الكبير:
عُفي عن طين المطر وإن اختلطت العذرة أو غيرها من النجاسات يقينًا أو ظنًّا بالمصيب، فإذا غلبت النجاسة على الطين لم يُعفَ عمَّا أصابه

تم نسخ الرابط