السويس 2025… وجوه إنسانية هزت القلوب قبل الاجساد وتضامن معها الرأي العام
لم يكن عام 2025 عامًا عاديا في ذاكرة أبناء السويس، فخلف الأخبار اليومية والبيانات الرسمية، برزت وقائع إنسانية أعادت التذكير بقيمة الإنسان، وكشفت عن مشاعر الغضب، والحزن، والتعاطف، وأحيانا الفخر، داخل مجتمع اعتاد أن يقف مع الضعيف في أوقات الشدة.
من صفعة وجهت إلى رجل مسن فهزت ضمير الشارع، إلى غطاسين خرجا للعمل ولم يعودا من أعماق ميناء السخنة، مرورا بمحاولة خطف طالب كادت تنتهي بمأساة لولا شجاعة سيدة بسيطة قررت ألا تصمت، كلها مشاهد مختلفة، لكنها تشترك في وجع واحد.
قصة الصفعة التي هزت الرأي العام
أثار مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة من الغضب والاستياء بين أهالي السويس، بعد توثيقه واقعة صفع مسن مريض بمنطقة حي الجناين، على يد مالك العقار الذي يقيم فيه، وهو ما اعتبره المتابعون اعتداء صريحا على رجل متقدم في السن ويعاني من أمراض مزمنة.
وتداول رواد “موقع فيس بوك” منشورات استنكار عقب نشر فتاة تدعى “رحمة” مقطع فيديو يظهر تعرض والدها، الحاج غريب مبارك، للاعتداء، مؤكدين رفضهم لما وصفوه بالتجاوز غير الإنساني.
تفاصيل الواقعة
وبحسب رواية الأسرة، فإن المسن تعرض للاعتداء بالضرب من قبل صاحب المنزل الذي يقيمون به، في محاولة لإجبارهم على ترك الوحدة السكنية، بدعوى اتهام نجل المسن بسرقة محتويات شقة أخرى مملوكة له، وهو ما نفته الأسرة، مؤكدة عدم قدرتها على ترك المسكن لعدم وجود بديل.
وقالت رحمة غريب، نجلة المسن، إن والدها يعاني من أمراض مزمنة، موضحة أنها فوجئت بسماع أصوات صادرة من الشقة العلوية، واعتقدت أن مالك المنزل يجري بعض الأعمال، خاصة في ظل غياب والدها لعمله وقيام والدتها بتوصيل الطلاب إلى مدارسهم.
وأضافت، أنه استدعى صاحب المنزل والديها، وعرض عليهما مقطع فيديو يظهر فيه شخص يقوم بسرقة محتويات شقة، إلا أن ملامحه لم تكن واضحة، قبل أن يتهم شقيقها بالسرقة ويعتدي عليه، ما دفع الأسرة إلى مغادرة المنزل مؤقتًا خوفًا من تكرار الاعتداء، خاصة بعد استعانته بعدد من أصدقائه.
وتابعت، عدنا يوم الجمعة لجلب بعض متعلقاتنا الشخصية، ففوجئنا بصاحب المنزل وشقيقه يعتديان على والدي أمام الأهالي، مما تسبب في إصابته.
وكانت نجلة المسن قد أطلقت استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أوضحت فيها أن الأسرة تقيم بنظام الإيجار القديم، وأن مالكي العقار يحاولون إخراجهم بالقوة، مؤكدة أن والدها تجاوز 65 عامًا ويعاني من أمراض القلب والسكر ويخضع لغسيل كُلى.
الإجراءات القانونية
وفي تطور لاحق، جرى اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة، حيث تمت محاكمة المتهمين في واقعة الاعتداء، وهما مالك العقار وشقيقه، قبل أن تنتهي القضية بالتصالح بين الطرفين وفقًا للإجراءات القانونية المتبعة.
دخلت لتلد وخرجت جثة هامدة
في صباح هادئ من شهر مايو، دخلت إسراء 27 عامًا، أحد المستشفيات الخاصة بالسويس لتضع مولودتها الثانية، لكنها لم تخرج حية، بعد ولادة بدت طبيعية، تدهورت حالتها بشكل مفاجئ، وظهرت عليها علامات نزيف حاد، وسط تطمينات متكررة من الطبيب المعالج.
ورغم تدهور حالتها ورفض الطبيب الاستعانة بآخرين أو نقلها، لم تجر تحاليل دم إلا بعد ساعات، لتكشف الكارثة، نسبة الهيموجلوبين وصلت إلى 3٪ فقط، نقلت إسراء في غيبوبة تامة إلى مستشفى حكومي، لكنها فارقت الحياة بعد ساعات.
رحلت إسراء تاركة رضيعة بلا أم، وأسرة لا تعرف النوم من الحزن، وتقدم زوجها ووالدها ببلاغ رسمي يتهمان فيه الطبيب والمستشفى بالإهمال الطبي، مطالبين بالقصاص حتى لا تتكرر المأساة مع غيرها.
وفاة لاعب الكاراتيه يوسف أحمد
وفي مشهد لم يكن أقل قسوة، توقفت القلوب عند خبر وفاة لاعب الكاراتيه الشاب يوسف أحمد، ابن السويس، بعد تعرضه لأزمة صحية مفاجئة أثناء مشاركته في بطولة الجمهورية للكاراتيه بالإسكندرية، شاب خرج حاملًا حلمه الرياضي واسم محافظته، فعاد في نعش، ليترك وراءه صدمة كبيرة داخل الوسط الرياضي وبين أبناء السويس، الذين رأوا في قصته وجع الأحلام المبتورة، وتساؤلات مؤلمة حول الرعاية الطبية وتأمين البطولات.
لم يكن يوسف مجرد لاعب، بل رمزا لشباب يحلم ويجتهد، وحين رحل، لم ترحل معه الميدالية فقط، بل رحلت ضحكة وأسرة كانت تنتظر فرحا لا عزاء، امتلأت الصفحات بنعيه، وبالدعاء له، وبمطالبات صادقة بمراجعة إجراءات السلامة الطبية داخل البطولات الرياضية.
وبين الغضب والحزن، ظل مشهد السيدة التي أنقذت طفلا من الخطف في عرب المعمل بمثابة بارقة نور وسط العتمة، يذكر بأن الخير لا يزال حيا، وأن الشجاعة أحيانًا تسكن أبسط الناس.
أما واقعة غرق الغطاسين، والاعتداء على المسن، فظلتا شاهدتين على أن الألم حين يطال الضعفاء، يتحول سريعا إلى قضية رأي عام، لا يهدأ إلا بالعدل والوعي.
هكذا مر عام 2025 على السويس، عاما لم يقاس بعدد مشاريعه فقط، بل بعدد القلوب التي انكسرت، والأيدي التي امتدت للنجدة، والأصوات التي رفضت أن تكون مجرد متفرج.