ما الفرق بين الاستغفار والتوبة؟: شروطه، موانع قبوله وفضائله وآثاره على حياتنا
يتساءل الكثيرون عن تعريف الاستغفار، وحكمه وفضله، خاصة مع عنوان وزارة الأوقاف للجمعة المقبلة: فظللت أستغفر الله منها ثلاثين سنة، وفي السطور التالية يسلط الشيخ محمد أبوالنصر من علماء وزارة الأوقاف الضوء على الاستغفار.
ما هو الاستغفار؟
يقول في تعريف الاستغفار ما يلي:
● الاستغفار لغةً: مأخوذ من مادة (غَفَرَ)، والغَفْرُ: السَّتر والتغطية.
• واستغفر: أي طلب المغفرة، والوقاية من شر الذنب وعقوبته.
● الاستغفار شرعًا: هو طلب العفو من الله عز وجل عن الذنوب والخطايا، مع الندم على ما فات والعزم على عدم العودة إليها.
الأمر بالاستغفار
- أمر الله نبيه والمؤمنين بالاستغفار، ووعدهم بالمغفرة، فقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 106]،
وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19]، وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20].
قال تعالى: ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: 3]
وقال جل وعلا: ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: 135]
وفي الحديث الصحيح: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" (رواه مسلم)، وقال النبي ﷺ : «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب»
حكم الاستغفار
الاستغفار عبادة مستحبة، وقد يصل إلى درجة الوجوب في بعض الأحيان.
• وجوب الاستغفار من الذنب: إذا ارتكب المسلم ذنبًا، وجب عليه الاستغفار والتوبة منه فورًا.
• استحباب الاستغفار بشكل عام: الاستغفار في كل الأوقات، حتى وإن لم يرتكب المسلم ذنبًا، هو من أفضل القربات.
● الاستغفار لك ولغيرك .
والاستغفار يكون للنفس وللغير، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ} [غافر: 7]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10]، وقال تعالى عن نوح عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ} [إبراهيم: 41].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِن اللهَ عز وجل لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الجَنَّةِ، فَيَقُوْلُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُوْلُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ»
الاستغفار للمشرك
لا يجوز الاستغفار للمشرك، ولو كان حبيبًا، أو قريبًا، قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 113 - 114].
كما بين سبحانه أن الاستغفار لهم لا ينفعهم، ولا يقبله الله من صاحبه، قال تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [التوبة: 80].
شروط الاستغفار
الاستغفار لا يكون مجرد لقلقة لسان، بل لا بد له من شروط حتى يكون مقبولًا عند الله تعالى.
• الندم على الذنب: الشعور بالأسف والندم على ما صدر من العبد.
• الإقلاع عن المعصية: ترك الذنب فورًا وعدم الاستمرار فيه.
قال الفضيل بن عياض: استغفار بلا إقلاع، توبة الكذابين. ويقاربه ما جاء عن رابعة العدوية: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير.
• العزم على عدم العودة: اتخاذ قرار جازم بعدم العودة إلى الذنب مرة أخرى.
• رد الحقوق إلى أهلها (إن وجد): إذا كان الذنب يتعلق بحقوق العباد، فلا بد من ردها قبل طلب المغفرة من الله.
فرد المظالم إلى أهلها يكون إذا كانت المعصية تتعلق بحقوق العباد،
قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: 7)
موانع قبول الاستغفار
● الاستغفار مع الإصرار على الذنب
• قال بعض السلف: "استغفارنا يحتاج إلى استغفار".
● الاستغفار رياءً أو عادة
• لا يقبل الله استغفار القلب الغافل.
● عدم رد الحقوق
• لا يُقبل الاستغفار في حقوق الناس دون ردّ المظالم.
الفرق بين الاستغفار والتوبة:
الاستغفار طلب المغفرة، أما التوبة فهي الرجوع إلى الله والندم على ما فات والعزم على عدم العودة. الاستغفار جزء من التوبة، فكل تائب مستغفر، وليس كل مستغفر تائبًا. فمن يستغفر بلسانه وقلبه غافل، لم يتب توبة نصوحًا. أما من يستغفر نادمًا مقلعًا عازمًا، فقد استغفر وتاب. يقول الإمام ابن القيم: "التوبة من المعاصي والاستغفار منها هو جماع الإيمان".
كيفية المداومة على الاستغفار
● تخصيص أوقات معينة
من المستحسن أن يخصص المسلم وقتًا في يومه للاستغفار، مثل وقت السحر أو بعد الفروض.
● ذكر الاستغفار في الأذكار
يمكن إدراج الاستغفار كجزء من الأذكار اليومية، مثل قول: "أستغفر الله ربي من كل ذنب وأتوب إليه".
أنواع الاستغفار
- إن الاستغفار هو من أعظم النعم التي منحها الله لعباده وهو عدة أنواع .
● الاستغفار باللسان .
• وهو التلفظ بصيغة الاستغفار مثل: "أستغفر الله"، "اللهم اغفر لي".
● الاستغفار بالقلب
وهو الاعتراف بالذنب
والندم الحقيقي ،والتوبة النصوح ، والرجوع إلى الله بصدق، دون مجرد كلمات.
●الاستغفار بالأعمال .
وهو القيام بأعمال صالحة تعوض عن الذنوب
● الاستغفار الكامل
• وهو اجتماع الاستغفار باللسان، وصدق التوبة بالقلب، والعمل الصالح بالجوارح.
الأخطاء الشائعة في الاستغفار
● الاعتماد على الاستغفار دون العمل الصالح
يعتقد البعض أنه يكفي الاستغفار فقط دون القيام بالأعمال الصالحة. يجب أن يترافق الاستغفار مع الأعمال التي تُزكي النفس.
● الاستغفار دون نية صادقة.
لا بد أن يكون الاستغفار مصحوبًا برغبة حقيقية في التوبة والعودة إلى الله.
فضائل الاستغفار وآثاره في حياة المسلم
- الاستغفار ليس مجرد عبادة، بل هو سبب مباشر لجلب الخيرات ودفع النقم. لقد ذكر القرآن الكريم والسنة النبوية الكثير من فضائله التي تشمل جوانب الحياة كافة.
● الاستغفار أصل من أصول التوحيد .
-الاستغفار يعكس كمال التوحيد، فطلب المغفرة لا يكون إلا من الله وحده، الذي بيده ملكوت السماوات والأرض.
وهو اعتراف بقدرة الله على المغفرة، وضعف الإنسان وحاجته المطلقة إلى خالقه.
فالاستغفار عبادة لا يجوز صرفها لغير الله.
● الاستغفار سبب لدفع البلاء .
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] قال علي - رضي الله عنه -: «مَا نَزَلَ بَلاءٌ إِلاَّ بِذَنبٍ، وَلاَ رُفِعَ إِلاَّ بِتَوبَةٍ».
وقال أبو موسى: «كَانَ لَنَا أَمَانَانِ، ذَهَبَ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ كَونُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - فِينَا، وَبَقِيَ الاِستِغفَارُ مَعَنَا، فَإِنْ ذَهَبَ هَلَكْنَا» التوبة إلى الله، للغزالي.
● الاستغفار سببٌ لنزول الغيث وجلب الرزق والمال.
- من أعظم فضائل الاستغفار أنه سبب لزيادة الرزق وتوسيع الأرزاق.
يقول تعالى في سورة نوح على لسان نبي الله نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.
هذه الآيات الكريمة تربط الاستغفار مباشرةً بنزول المطر، وزيادة المال، وكثرة البنين، والتمتع بالجنات والأنهار، مما يدل على أنه مفتاح لكل خير دنيوي.
● الاستغفار سببٌ في تحصيل المال والولد .
- قال تعالى ﴿وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 12]
●الاستغفار سبب لنزول الرحمة .
قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46].
● الاستغفار طريق للفلاح
قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 199]
● الاستغفار ممحاة للخطايا وتكفير الذنوب.
- الاستغفار هو الوسيلة الأساسية لمحو الذنوب وتكفير السيئات.
يقول الله تعالى في سورة آل عمران: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}.
هذا النداء الإلهي يفتح باب الأمل لكل مذنب، ويؤكد أن الله تعالى هو وحده من يغفر الذنوب، وأن الاستغفار هو السبيل إلى هذه المغفرة.
كما ورد في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه: "يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ".
وقال النبي ﷺ: «من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غُفر له وإن كان فرَّ من الزحف»
● الاستغفار يزيل الهموم والأحزان، ويجلب الطمأنينة والسكينة للقلب.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن لَزِمَ الاستغفارَ جعلَ اللهُ له من كلِّ همٍّ فرَجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مَخرَجًا، ورزقَه من حيثُ لا يحتسبُ". فهذا الحديث ضعيف ، ولكن معناه صحيح .
● الاستغفار يدفع البلاء ويرفع الضيق.
عن العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه قال: «ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة»




