عاجل

«خير الخطائين التوابون».. التوبة النصوح: درجاتها وكيفيتها لمن اعتاد الذنب

التوبة
التوبة

كيف يتحقق للمسلم التوبة النصوح؟، سؤال يشغل ذهن الكثيرين حيث يقول الله عز وجل في محكم آياته: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾؛ وفي بيان الآية يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: لا يعملونها فجرا وعدوانا وخروجا عن شرع الله، بل يفعلونها لضعفهم البشري: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) (أورده الحاكم في المستدرك).

كيف يتحقق للمسلم التوبة النصوح؟

وتابع: فهم يتوبون من قريب، في سرعة، يتنبهون ويفيقون فيعودون وينيبون إلى الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 17]، ﴿عَلِيمًا﴾ بأحوال البشر، ﴿حَكِيمًا﴾ في تربيتهم ودفعهم إليه، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، موضحًا: آية بليغة ترسم لنا منهج الحياة، ترسم لنا كيف يتعامل المؤمن مع ربه، يعود إليه ﴿مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ بالجزم؛ لم يقل: عسى الله أن يتوب عليهم، ولا: لعل الله أن يتوب عليهم؛ أبدا، بل قال: ﴿فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾.

ويقول كذلك: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: 18]؛ أي لا تكون التوبة للذين لا يتوبون حتى إذا حضرهم الموت، ﴿أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزمر: 16]؛ يربينا على التقوى وعلى العودة إليه سبحانه وتعالى.

وفيما ورد عن الله عز وجل في الحديث القدسي أنه قال: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً» (صحيح مسلم).

وتساءل: هل هناك فضل – أيها المسلم – فوق هذا الفضل؟! وهل هناك بناء للشخصية السوية التي تعلم الحق والحقيقة فوق هذا؟!، مبينًا أن التوبة على ثلاثة أنحاء، ولها ثلاثة شروط؛ شروط التوبة معروفة: أن أندم على الذنب، وأن أقلع عنه، وأن أعزم على ألا أعود إليه ثانية، وإن كان من حقوق العباد رددت الحق إلى العباد.

ما هي درجات التوبة؟

وأردف: للتوبة درجات منها توبة عن المعاصي والذنوب، ومنها الإنابة، وهي أعلى من التوبة؛ حيث يتخلص الإنسان من سوى الله من قلبه، يفرغ القلب عما سوى الله فيشغله الله سبحانه وتعالى، ولا يكون في قلب العبد المؤمن إلا الله؛ فقلب المؤمن لا يبقى خاليا أبدا؛ إما أن يشغل بالدنيا، وإما أن يشغل بالله؛ فتخير – أيها المسلم – بم تشغل قلبك!

وكلما خرجت الدنيا من قلبك دخل نور الله في قلبك، فصار منورا بنور الإيمان، إلى أن تصل إلى الإيمان الكامل الذي ليس بعده شك ولا ريب ولا كفر ولا ارتداد، وتصل بذلك إلى عين اليقين بعد علم اليقين، وإلى حق اليقين بعد عين اليقين، ثم تترقى من الإنابة إلى أن تكون أوابا؛ مشتقا من الأوبة، وهي الرجوع التام إلى الله سبحانه وتعالى: ﴿نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 30]. والسؤال: كيف يتأتى هذا؟

بإقامة الدين في نفسك: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 30 - 32]. بنى الله عز وجل في هذه الآية منهج حياة مستقيمة فيها العزة في الدنيا، وفيها رضوان الله في الآخرة، فتنبه أيها المسلم، وتأمل هذه الآيات الثلاث في سورة الروم: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾؛ لو فعلنا هذا لكانت لنا العزة في الدنيا، وكان لنا رضوان الله في الآخرة.

ونبه – أيها المسلم – قبل الفوت والموت؛ فينبغي عليك أن ترجع إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأن توقن وتعلم أنه ﴿لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ﴾؛ وإن سواه من الأهواء والتيارات ليس بقيم.

وشدد علي جمعة: أيها المسلمون، حركوا قلوبكم لله تتحرك لكم الأكوان، وتخضع لكم السماوات والأرض، وجربوا أنفسكم لله؛ لا تجربوا الله بل جربوا أنفسكم حين تلتجئون إليه سبحانه وتعالى، ولا تيأسوا من أنفسكم، عودوا إلى الله، واذكروه واستحضروه، وادخلوا في حضرة قدس ذكره سبحانه وتعالى، ولا يفتر لسانكم من ذكر الله ومن الاستغفار: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: 10 - 13].

تم نسخ الرابط