عاجل

القومي لحقوق الإنسان يعلن حصاد عام حقوقي جديد: خطوات متقدمة وتحديات مستمرة

المجلس القومي لحقوق
المجلس القومي لحقوق الإنسان

كشف المجلس القومي لحقوق الإنسان، اليوم الأحد، عن ملامح المشهد الحقوقي في مصر خلال عام كامل، مع إطلاق تقريره السنوي الثامن عشر الذي يغطي الفترة من يوليو 2024 حتى يونيو 2025، في مؤتمر صحفي موسع بالقاهرة، عكس رغبة واضحة في فتح نقاش عام حول ما تحقق وما لا يزال قيد المعالجة في ملف الحقوق والحريات.

 

التقرير، الذي قدمه المجلس بوصفه وثيقة تقييم ورصد لا بيان إنجاز، حمل قراءة مركبة تجمع بين تسجيل تطورات إيجابية على أكثر من مسار، والتنبيه إلى تحديات ما زالت تتطلب تدخلات أعمق وسياسات أكثر فاعلية، خاصة في ملفات الحقوق المدنية والسياسية والضمانات القانونية.

 

منهجية رقابية ورسالة شفافية

 

وفي كلمته خلال المؤتمر، أكد السفير محمود كارم، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن التقرير يأتي التزامًا بالدور الدستوري للمجلس، وحق المجتمع في الاطلاع على تقييم مستقل لأوضاع حقوق الإنسان، بعيدًا عن المجاملات أو التهوين من التحديات.

 

وأوضح أن التقرير اعتمد على رصد تشريعي وميداني موسع، شمل تحليل القوانين والسياسات العامة، ومتابعة الشكاوى الواردة، والتواصل مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، في إطار منهجية مهنية تستهدف تقديم صورة واقعية للمشهد الحقوقي، لا تقتصر على تسجيل الوقائع بل تطرح توصيات قابلة للتنفيذ.

 

وأشار كارم إلى أن التقرير سعى إلى تحقيق توازن دقيق بين الإقرار بالخطوات الإيجابية التي تحققت خلال العام، وبين إبراز أوجه القصور التي لا يمكن تجاوزها دون اعتراف صريح بها، مؤكدًا أن النقد البناء يظل أحد أدوات الإصلاح الأساسية.

 

الحقوق المدنية والسياسية: انفراجة نسبية وتحديات مستمرة

 

وسجل التقرير مؤشرات إيجابية في ملف الحقوق المدنية والسياسية، من بينها استمرار الإفراج عن أعداد من المحبوسين احتياطيًا أو الصادر بحقهم أحكام، وتوسع النقاش العام حول قضايا المجال العام، إلى جانب التفاعل الإيجابي مع آلية الاستعراض الدوري الشامل وقبول عدد معتبر من توصياتها.

 

في المقابل، لم يغفل التقرير الإشارة إلى استمرار إشكاليات، أبرزها طول مدد الحبس الاحتياطي في بعض القضايا، والحاجة إلى مزيد من الضمانات القانونية والرقابة القضائية، بما يعزز الثقة في منظومة العدالة.

 

حرية التعبير والإعلام بين التحسن والفراغ التشريعي

 

وفيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، رصد التقرير تراجعًا نسبيًا في أعداد المحتجزين على خلفية قضايا النشر مقارنة بسنوات سابقة، لكنه في الوقت نفسه نبه إلى استمرار تحديات مرتبطة ببيئة العمل الإعلامي، وفي مقدمتها غياب قانون ينظم تداول المعلومات.

 

وسلط التقرير الضوء على أحكام قضائية مهمة صدرت خلال فترة الرصد، خاصة حكم المحكمة الدستورية العليا الذي كرس حماية النقد الموجه للعمل العام، باعتباره أحد أركان حرية التعبير في الدولة الدستورية.

 

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: حماية اجتماعية تحت ضغط الواقع الاقتصادي

 

وعلى صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قدم التقرير قراءة واقعية لتداعيات الأوضاع الاقتصادية العالمية ومعدلات التضخم على مستوى معيشة المواطنين، مع تسجيل الجهود الحكومية الرامية إلى توسيع مظلة الحماية الاجتماعية، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإصدار تشريعات جديدة مثل قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل.

 

وأكد التقرير أن هذه الخطوات تمثل تقدمًا مهمًا، لكنها تظل بحاجة إلى آليات تنفيذ تضمن وصول أثرها الحقيقي إلى الفئات الأكثر احتياجًا، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية المستمرة.

 

زخم تشريعي… ونواقص قائمة

 

من جانبه، أوضح الدكتور ولاء جاد، عضو المجلس، أن فترة الرصد شهدت نشاطًا تشريعيًا ملحوظًا شمل قوانين الإيجار القديم والعمل والحماية الاجتماعية، إلا أن البيئة التشريعية ما زالت تفتقر إلى قوانين محورية، على رأسها قانون الإدارة المحلية وقانون تداول المعلومات.

 

وأشار إلى أن المجلس كان يتطلع إلى أن تثمر مخرجات الحوار الوطني عن تشريعات انتخابية جديدة تعزز المشاركة الحزبية، لافتًا إلى رصد محاولات للمساس بالهوية الثقافية المصرية، بوصفها أحد مكونات منظومة حقوق الإنسان.

 

الشكاوى والتصنيف الدولي

 

وفي سياق متصل، كشفت نهى أبو بكر، عضو المجلس، أن المجلس تلقى أكثر من 3 آلاف شكوى خلال فترة التقرير، تنوعت بين شكاوى مكتوبة وأخرى إلكترونية، مؤكدة أن المجلس، رغم استقلاليته، يعمل عبر قنوات تواصل دائمة مع مؤسسات الدولة، ويلجأ إلى البرلمان عند تعثر الاستجابة.

 

وأكدت أن احتفاظ المجلس بتصنيفه الدولي من الفئة (A) يعكس التزامه بالمعايير الدولية، ويمنحه مساحة أوسع للتفاعل مع الآليات الأممية المعنية بحقوق الإنسان.

 

نقطة انطلاق لا محطة نهائية

 

ويختتم التقرير بالتأكيد على أن تطوير منظومة حقوق الإنسان في مصر عملية تراكمية، لا تتحقق بقرارات منفردة، بل عبر إرادة سياسية مستمرة، وتعاون مؤسسي ومجتمعي واسع، مشددًا على أن التقرير يمثل بداية لنقاش أعمق حول السياسات العامة وبناء الثقة بين الدولة والمواطن.

تم نسخ الرابط