عاجل

واشنطن وطهران.. محادثات غير مباشرة في عُمان وسط آمال بانفراجة دبلوماسية

وزير الخارجية الإيراني
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وستيف ويتكوف

كشف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء، عن توجه بلاده للمشاركة في محادثات غير مباشرة رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة، من المقرر عقدها في سلطنة عمان السبت المقبل. يأتي ذلك في تطور لافت على صعيد العلاقات المتوترة بين طهران وواشنطن.
وجاء إعلان "عراقجي" عبر منشور على منصة "إكس"، حيث قال إن "إيران والولايات المتحدة ستجتمعان في عُمان السبت لإجراء محادثات غير مباشرة رفيعة المستوى"، مشيراً إلى أن هذه الخطوة "تشكل فرصة بقدر ما تمثل اختبارًا، قبل أن يختتم تصريحه برسالة دبلوماسية لافتة: "الكرة في ملعب أمريكا".
ويأتي هذا التصريح، بعد ساعات فقط من حديث للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمح فيه إلى احتمالية بدء مفاوضات مباشرة بين الطرفين، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول جدية واشنطن في استئناف الحوار مع طهران، واحتمالات كسر الجمود القائم منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018.

الأنظار نحو مسقط

ومن المعروف أن سلطنة عُمان لطالما لعبت دور الوسيط الهادئ بين الخصوم الإقليميين والدوليين، ويُنظر إلى اختيارها كمكان لهذه الجولة الجديدة من المباحثات باعتباره مؤشراً على رغبة الطرفين في خفض التوتر ضمن أجواء أكثر تحفظاً ودبلوماسية.
وتبقى الأنظار مشدودة نحو مسقط، حيث يتوقع أن تشكل هذه المحادثات محطة مفصلية في مسار العلاقة بين البلدين، وسط تعقيدات الملف النووي، والعقوبات الاقتصادية، والتوترات في الخليج.
بينما يستعد الوسطاء لاحتضان جولة محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، كشفت صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤولين إيرانيين أن طهران لا تمانع الدخول في حوار مباشر مع واشنطن، شريطة أن تثمر المحادثات غير المباشرة المرتقبة عن تقدم ملموس.
وأوضح المسؤولون أن فهم طهران لمسار التفاوض يختلف إلى حد كبير عن الرؤية التي يروّج لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيرين إلى وجود تباينات عميقة في تفسير الأهداف والآليات، رغم المؤشرات الإيجابية الأولية.

التصعيد في الخطاب الأمريكي

ويأتي هذا الانفتاح الإيراني بالتوازي مع تصعيد في الخطاب الأمريكي، إذ نقلت الصحيفة، أن ترامب، في رسالة رسمية، بعث بها الشهر الماضي، إلى القيادة الإيرانية، دعا إلى مباحثات جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكنه أرفق الدعوة بتهديد صريح بـ"القصف" في حال فشل الحوار، ما اعتبرته طهران تلميحاً مزدوجاً لا يخلو من التصعيد والابتزاز السياسي.
ومن الجدير بالذكر أن سياسة ترامب تجاه إيران اتسمت، منذ ولايته الأولى، بنهج "الضغوط القصوى"، حيث قرر الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي في 2018، وأعاد فرض عقوبات شاملة على طهران، ما دفع الأخيرة إلى تقليص التزاماتها تدريجياً ضمن الاتفاق.
ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام، بدا أن واشنطن تعود لذات المعادلة: "تصعيد اقتصادي وسياسي مقابل استعداد نظري للجلوس إلى طاولة التفاوض". غير أن طهران، التي تخوض اليوم معركة دبلوماسية دقيقة، باتت تلمّح إلى أنها مستعدة للانفتاح، ولكن فقط إذا توافرت شروط جدية تنأى بالمحادثات عن الاستعراض السياسي.
وفي ظل هذا التوتر المغلّف بالدبلوماسية، تتجه الأنظار نحو سلطنة عمان، التي تستضيف جولة حرجة قد تحدد مسار العلاقة بين الجانبين في المرحلة المقبلة، إما نحو انفراجة تدريجية... أو نحو مزيد من التعقيد في المشهد الإقليمي والدولي.

عُمان... وسيط خلف الكواليس

وفي الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المتوترة بين واشنطن وطهران، يبرز اسم سلطنة عمان مجددًا كوجهة مفضلة للمباحثات الحساسة، لتؤكد مجددًا مكانتها كوسيط دبلوماسي موثوق به في منطقة تعجّ بالتقلبات.
ولطالما لعبت السلطنة دورًا محوريًا خلف الكواليس، بعيدًا عن أضواء الإعلام والصخب السياسي. فمن مفاوضات الملف النووي الإيراني قبل توقيع الاتفاق عام 2015، إلى وساطات إقليمية بين أطراف يمنية، وحتى مساعي الإفراج عن معتقلين في أزمات دولية مختلفة، استطاعت عمان أن تحافظ على علاقة متوازنة مع جميع الأطراف، دون أن تقع في فخ المحاور أو الاصطفافات الحادة.
يعزى نجاح الدبلوماسية العمانية إلى فلسفة الحكم القائمة على "الحياد الإيجابي"، والتي أرساها السلطان الراحل قابوس بن سعيد، واستمر عليها السلطان هيثم بن طارق، مع تطوير أدواتها بما يتماشى مع تحديات المنطقة. 
وتستند هذه السياسة إلى مقاربة تستوعب الجميع، وتمنح الثقة للأطراف المتخاصمة، بأن طاولة الحوار في مسقط لا تحمل أجندة خفية.
اللافت في الأمر أن مسقط لا تروّج لنفسها كوسيط، ولا تسعى لتضخيم دورها، بل تمارس الوساطة كوظيفة دبلوماسية مستقرة في بنيتها السياسية، وهو ما يجعلها نقطة تلاقي حقيقية حين تشتد الخلافات، كما يحدث الآن بين إيران والولايات المتحدة.
وفي ظلّ التصعيد المتبادل والتوترات المستمرة في الخليج، تبدو الجولة المرتقبة من المحادثات في عُمان ليست مجرد لقاء دبلوماسي؛ بل اختباراً جديداً لقدرة المنطقة على إنتاج حلول من الداخل، بعيداً عن الضغوط الدولية أو الهيمنة الغربية المعتادة على مجريات التفاوض.

تم نسخ الرابط