هل تشهد الساحة السياسية تغييرات كبيرة في قيادات الأحزاب الكبري؟
لم تأتِ نتائج انتخابات مجلس النواب 2025 كما اشتهت قيادات الأحزاب السياسية، بعدما غيّرت كلمة الشارع حسابات كانت تراهن فيها الأحزاب على اكتساح مرشحيها للمشهد البرلماني، فقد اختار الناخبون، على نطاق واسع، مرشحين من خارج المظلة الحزبية، في رسالة واضحة بأن الانتماء التنظيمي لم يعد ضمانة للفوز، وأن المظلة الحزبية لم تنجح في حماية مرشحي الأحزاب من الخسارة.
وكشفت النتائج عن ترتيب للأحزاب السياسية الأكثر تضررًا في الماراثون الانتخابي، بعدما فقد مرشحوها عددًا كبيرًا من المقاعد في محافظات الجمهورية، حيث جاء حزب حماة الوطن في مقدمة الخاسرين، يليه حزب الجبهة الوطنية، ثم الشعب الجمهوري، فمستقبل وطن، وعلى الرغم من أن حزب الوفد لم يدفع بعدد كبير من المرشحين، فإن غيابه عن المنافسة بشكل مؤثر فجّر حالة من الغضب المكتوم داخل صفوف قيادته.
صعود المستقلين ورسالة الشارع للأحزاب
أبرز ما أفرزته الانتخابات تمثل في الصعود اللافت للمستقلين داخل عدد من الدوائر المؤثرة، وهو ما عُدّ رسالة سياسية مباشرة للأحزاب، مفادها أن الشارع لم يعد يصوت على أساس الانتماء الحزبي وحده، بل بات أكثر ميلًا لاختيار المرشحين على أساس الأداء، والوجود الحقيقي، والقدرة على التواصل والخدمة داخل الدوائر.
هذا التحول وضع الأحزاب الكبرى أمام مأزق حقيقي، يتمثل في ضرورة إعادة النظر في فلسفة اختيار المرشحين، والتي اعتمدت في كثير من الأحيان على الحسابات التنظيمية الضيقة أو التوازنات الداخلية، على حساب الشعبية الفعلية والحضور الميداني.
مراجعات داخلية شاملة وضرورات التغيير
المشهد بعد الانتخابات لا يشير إلى انهيار الأحزاب الكبرى بقدر ما يكشف عن بداية مرحلة جديدة من المراجعات الداخلية الإجبارية، عنوانها الأبرز أن العمل الحزبي لم يعد يُدار من المكاتب المغلقة، بل من الشارع والدوائر الانتخابية، وأن أي حزب لا يلتقط هذه الرسالة سيظل حاضرًا على الورق، وغائبًا عن صناديق الاقتراع.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تحركات تنظيمية واسعة داخل عدد من الأحزاب، خاصة أحزاب الأغلبية، لتقييم أداء القيادات المحلية، ومحاسبة الأمانات التي أخفقت في إدارة المعركة الانتخابية، إلى جانب إعادة ضبط آليات اختيار المرشحين، لا سيما في المحافظات التي سجلت خسائر مفاجئة.
برغم أن هذه المراجعات قد لا تصل، في معظم الأحزاب، إلى تغييرات جذرية على مستوى القيادات العليا، فإنها مرشحة لأن تشمل إعادة توزيع للأدوار داخل الحزب ، وتعديلات في أدوات العمل السياسي والخدمي، بما يتماشى مع المتغيرات التي فرضتها نتائج الصناديق.
وأظهرت الانتخابات بوضوح أن الاعتماد على اللافتة الحزبية لم يعد كافيًا لضمان الفوز، في ظل عودة الناخب للاصطفاف خلف الأسماء التي تمتلك رصيدًا محليًا، وقدرة على التفاعل مع قضايا المواطنين، وهو ما يُنذر بتغيرات أعمق في شكل المشهد الحزبي خلال المرحلة المقبلة.
حزب مستقبل وطن: التغير الناعم
على الرغم من احتفاظ حزب مستقبل وطن بالأغلبية داخل البرلمان، إلا أن الحزب واجه خسائر غير متوقعة في بعض الدوائر، ما فتح الباب أمام نقاشات داخلية حول أداء الأمانات بالمحافظات، ومدى كفاءة بعض القيادات المحلية في إدارة المعركة الانتخابية.
وتشير التوقعات إلى أن الحزب سيتجه نحو مراجعة هادئة ومنضبطة دون تغييرات صاخبة في القيادة، مع التركيز على تعزيز الأداء البرلماني، وإعادة الاعتبار للعمل الخدمي والسياسي داخل الدوائر.
حماة الوطن: تغييرات واسعة قادمة
لم تمر نتائج الانتخابات بهدوء داخل حزب حماة الوطن، إذ فجّرت حالة من الغضب المكتوم بعد خسارة الحزب في دوائر كان يُنظر إليها كمناطق نفوذ شبه مستقرة سابقًا.
وبحسب مصادر حزبية، فإن الحزب مقبل على تغييرات تنظيمية واسعة تشمل إعادة هيكلة عدد من الأمانات بالمحافظات، وإبعاد قيادات فشلت في إدارة المعركة الانتخابية، ومن المتوقع تصعيد وجوه جديدة لاستعادة الثقة الشعبية ووقف نزيف الخسائر أمام المستقلين.
الجبهة الوطنية: خلافات وتغييرات جذرية محتملة
وضعت النتائج حزب الجبهة الوطنية أمام أصعب اختبار منذ تأسيسه، في ظل إخفاقه في تحقيق نتائج جيدة ، ما فجّر خلافات داخلية.
ويشهد الحزب حاليًا نقاشات ساخنة حول إجراء تغييرات جذرية في بنيته التنظيمية، قد تصل إلى إعادة تشكيل القيادة، مع التركيز على إعادة هيكلة أمانات المحافظات وتحسين الاتصال بالشارع.
الشعب الجمهوري: إعادة هيكلة شاملة
واجه حزب الشعب الجمهوري ضغوطًا غير مسبوقة بعد أن عجز عن تحويل انتشاره التنظيمي إلى مكاسب انتخابية حقيقية، ما فتح الباب أمام انتقادات حادة لطريقة إدارة الحزب للانتخابات.
وتدرس قيادة الحزب الدفع بقيادات شابة وأكثر ارتباطًا بالعمل الميداني، في محاولة لاستعادة الحضور السياسي المفقود.
الوفد: أزمة تاريخية متجددة
أما حزب الوفد، فيبدو أنه مقبل على جولة جديدة من الخلافات الداخلية، في ظل تراجع حضوره الانتخابي، واستمرار الصراع بين التيارات المختلفة حول الهوية والدور السياسي، ورفض شباب الحزب التمثيل الضعيف في الشيوخ والنواب.
الفترة المقبلة مرشحة لتشهد محاولات لإعادة ترتيب البيت الداخلي، لكن التحدي الأكبر يبقى في استعادة ثقة الشارع.