عاجل

زيارة ماكرون إلى مصر.. جسور من الثقافة والتاريخ بين الشرق والغرب

في أجواء تغلفها الأصالة وتاريخ يمتد لآلاف السنين، حظي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باستقبال حافل خلال زيارته إلى مصر التي امتدت لثلاثة أيام.

 بدأت الرحلة بجولة تفقدية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شوارع خان الخليلي، الحي التراثي الشهير الذي ينبض بروح القاهرة القديمة. 

بين الأزقة الضيقة والمحال الزاخرة بالحرف اليدوية، اندمجت أجواء الماضي والحاضر حين تبادل الزعيمان التحيات مع الباعة والمارة وسط ضحكات دافئة وعدسات تسجل اللحظة.

خان الخليلي، بألوانه وضجيجه، كان بمثابة الفصل الأول في قصة زيارة تهدف لتعزيز العلاقات السياسية بين البلدين، لكنها في العمق حملت أبعاداً إنسانية وثقافية أكثر عمقًا. هذا الموقع العريق، الذي يجسد روح مصر الحية، فتح نافذة أمام ماكرون لاستكشاف أصالة المصريين وكرمهم الفطري، في حين أتاح للرئيسين التواصل المباشر مع الناس وسط أجواء مفعمة بالحماسة والود.

وفي ميدان الحسين المجاور، حيث يطغى عبق التاريخ والدين، لم تكن الحفاوة المصرية غائبة. توقفت حركة البيع والشراء للحظات، وامتلأت ساحة الميدان بشخصيات التقطت بكاميرات هواتفها صورًا للحدث. كان الجو نابضًا بالحياة والروحانية، ما أضفى على الزيارة بعدًا إنسانيًا قلما يجده القادة في زياراتهم الدبلوماسية.  

مساءً، اختتم القائدان يومهما بعشاء تقليدي في أحد مطاعم خان الخليلي، محاطين بأجواء ساحرة تجمع بين الماضي بعبقه والحاضر بحيويته. وفي تفاعل حميم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أثنى الرئيس الفرنسي على دفء الاستقبال المصري، مؤكدًا على العلاقة المميزة التي تجمع بين شعبي البلدين.

الجانب الثقافي للزيارة لم يتوقف عند خان الخليلي، بل امتدت الرحلة لزيارة المتحف المصري الكبير في الجيزة.


لا يزال المتحف ينتظر افتتاحه الرسمي في يوليو، وقد قدّم لمحةً آسرةً عن عظمة التاريخ المصري القديم. خلال جولة استغرقت 45 دقيقة، انبهر ماكرون بالكنوز المعروضة: درج ضخم مزين بـ 59 تمثالًا ضخمًا، و12 قاعة عرض واسعة، وقطع أثرية لا تُحصى تعود إلى آلاف السنين.

بدا الرئيس الفرنسي مفتونًا بحجم المتحف ورؤيته. وبينما كان يتجول في قاعاته، قارنه بمتحف اللوفر في باريس، معربًا عن فضوله حول كيفية تأثير هذا المشروع الطموح على الفهم العالمي لمصر القديمة.

واصفًا هذه التجربة بأنها "مقبلات"، تعهد ماكرون بالعودة لاستكشاف أكثر تعمقًا، وقد بدت علامات الإعجاب بهذا الإنجاز الضخم على وجهه.

لطالما كان إعجاب فرنسا بمصر القديمة عميق الجذور، معبرًا عن روابط تاريخية وثقافية متينة تجمع بين البلدين. وقد برز هذا الشغف بوضوح في معرض باريس لعام ٢٠٢٣ "رمسيس العظيم وذهب الفراعنة"، الذي جذب مئات الآلاف من الزوار، مُبرزًا افتتان فرنسا المستمر بعظمة الحضارة المصرية.

من مسلة رمسيس الثاني الشهيرة في ساحة الكونكورد بباريس إلى مجموعة متحف اللوفر الضخمة التي تضم ٥٢ ألف قطعة أثرية مصرية، فإن تقدير فرنسا للتراث المصري لا لبس فيه. تساهم البعثات الأثرية الفرنسية بنشاط في الكشف عن عجائب مصر القديمة، وتؤكد فعاليات قياسية، مثل معرض "توت عنخ آمون - كنوز الفرعون الذهبي" لعام ٢٠١٩، الذي استقبل ١.٤ مليون زائر، على هذا التفاني الثقافي المشترك.

واليوم، لا تزال فرنسا شريكًا رئيسيًا في الحفاظ على آثار مصر ودراستها. تشارك أكثر من 40 بعثة أثرية بقيادة فرنسية بنشاط في أعمال التنقيب والترميم، الممتدة من ساحل الإسكندرية إلى معابد صعيد مصر، وحتى سواحل البحر الأحمر. تُجسّد هذه الشراكة مثالاً ساطعاً على قدرة التراث الثقافي المشترك على توحيد الأمم في ظل الاحترام والتقدير المتبادلين.

تعكس زيارة ماكرون إلى مصر التقاء السياسي بالثقافي والرسمي بالإنساني. ورغم أن العلاقات السياسية هي محورها الظاهر، إلا أن أبعادها الرمزية أعمق بكثير. إنها شهادة حية على قوة التراث الثقافي في مد جسور التفاهم، وعلى قدرة الشعوب على بناء صلات تتجاوز الزمن، مسطرة بذلك فصلاً جديدًا من التعاون والاحترام المتبادل بين الحضارتين العظيمتين.

تم نسخ الرابط