عاجل

المصريون يعيشون بالمظاهر.. هل اختفت الطبقة الوسطى من المجتمع؟ تقرير

هل اختفت الطبقة الوسطى
هل اختفت الطبقة الوسطى في مصر

هل اختفت الطبقة الوسطى؟ تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة أعادت رسم خريطة الطبقات داخل المجتمع، حيث باتت الطبقة الوسطى، التي لطالما كانت عماد الاستقرار والإنتاج، تواجه خطر التآكل والاختفاء التدريجي، فمع موجات الغلاء المتلاحقة، وتراجع القوة الشرائية، وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق، لم تعد هذه الطبقة قادرة على الحفاظ على نمط حياتها السابق، ولا استطاعت التكيف مع مستوى الطبقات الأدنى، لتنشأ ما وصفها الخبراء بـ "الطبقة المعلّقة".. طبقة موجودة بالاسم فقط، لكنها اقتصادياً في وضع لا يسمح لها بالتحرك صعوداً أو هبوطاً.

هل اختفت الطبقة الوسطى من المجتمع؟

يؤكد خبراء الاقتصاد أن اختفاء الطبقة الوسطى لا يعود إلى عامل واحد، بل إلى سلسلة من الضغوط المتراكمة، أبرزها ارتفاع الأسعار، تآكل المدخرات، انخفاض العائدات البنكية، ضعف الأجور، وزيادة الأعباء الأسرية، وهو ما أدى إلى اضطراب اجتماعي واضح تجلّى في ارتفاع نسب الجريمة والعنف الأسري والضغوط النفسية.

هل اختفت الطبقة الوسطى في مصر
هل اختفت الطبقة الوسطى في مصر

ومع استمرار التقلبات الاقتصادية، يطرح المشهد سؤالاً ملحًّا: هل ما زالت الطبقة الوسطى موجودة فعلاً، أم أنها أصبحت جزءاً من الماضي؟ في التقرير التالي نجيب لكم عن هذه الأسئلة:

الطبقة المتوسطة أصبحت معلقة

قال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن الطبقة المتوسطة في مصر لم تختفِ كما يتصور البعض، لكنها أصبحت اليوم طبقة معلّقة اقتصاديًا؛ لا هي قادرة على الحفاظ على مستوى المعيشة الذي اعتادت عليه، ولا هي قادرة على الاندماج في الطبقات الأدنى التي تنحدر إليها بفعل الضغوط المعيشية.

وأوضح النحاس، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن الطبقة المتوسطة كانت تاريخيًا تضم موظفي الحكومة، وأصحاب المهن التعليمية، والمثقفين، والشرائح الأكثر ارتباطًا بالاستقرار الوظيفي، لكن مع الارتفاع المستمر في الأسعار وتراجع القوة الشرائية، أصبحت هذه الطبقة موجودة "بالاسم فقط"، بعدما فقدت جزءًا كبيرًا من قدرتها الحقيقية على الإنفاق.

وأشار النحاس إلى أن الأزمة لم تقتصر على الطبقة المتوسطة، بل طالت أيضًا جزءًا من الطبقة العليا، بعد انخفاض العوائد البنكية وتراجع قيمة الودائع، ما جعل كثيرًا من الأسر الميسورة تعيش حالة من "الارتباك الطبقي" هي الأخرى، قائلاً: "أصبحت كل الطبقات اليوم طبقات معلّقة، لا تعرف كيف تعيش في مستواها القديم، ولا تعرف كيف تتأقلم مع المستوى الجديد الذي انحدرت إليه".

ارتفاع معدلات الجريمة والانتحار

وأضاف الخبير الاقتصادي أن ما يواجهه المجتمع اليوم من ارتفاع معدلات الجريمة والانتحار، هو انعكاس مباشر لعدم قدرة ملايين الأسر على التعايش مع واقع اقتصادي جديد لا يشبه ما اعتادوه، مشيرًا إلى أن الكثيرين أصبحوا يحافظون فقط على "المظهر الاجتماعي"، بينما تدهورت قدرتهم الفعلية على تغطية احتياجاتهم الأساسية، قائلاً: "المجتمع أصبح يعيش بالواجهة… لكن الحقيقة داخل البيوت مختلفة تمامًا".

هل اختفت الطبقة الوسطى في مصر
هل اختفت الطبقة الوسطى في مصر

وأوضح النحاس أن الأوضاع الراهنة دفعت عددًا كبيرًا من المواطنين لاستهلاك مدخراتهم، بعد تراجع العائد على الودائع البنكية بشكل حاد، واستدل النحاس بمثال: "من كان يمتلك 100 ألف جنيه ويحصل على عائد سنوي 30 ألف جنيه، أصبح الآن يحصل على جزء بسيط من هذا العائد، ما دفعه إلى السحب من أصل رأس المال لتغطية مصاريفه، وهذا مسار ينتهي بانهيار الملاءة المالية للأسر مستقبلًا".

حجم الطبقة الثرية في مصر

وتحدّث النحاس عن حجم الطبقة الثرية في مصر، موضحًا أنها تمثل ما بين 10% و15% فقط من عدد السكان، أي نحو 3 ملايين أسرة تقريبًا، وهم الفئة التي تظهر في مشاهد الاستهلاك المرتفع: زحام شراء الهواتف غالية الثمن، الإقبال على عروض "الجمعة السوداء"، شراء الوحدات العقارية الفاخرة، والإنفاق على الحفلات والمطاعم الراقية، مؤكدًا أن هذا المشهد المبالغ فيه يعكس صورة "مضلِّلة" لصانع القرار، وقد يعطي انطباعًا بأن المجتمع يعيش ازدهارًا عامًا، بينما الحقيقة أن الأغلبية تواجه صعوبات قاسية، وأن هذا التفاوت بات يفرض تحديات اجتماعية واقتصادية معقدة.

وتابع: "الأزمة الحقيقية اليوم ليست فقط في انخفاض الدخل، بل في عدم قدرة الطبقات الاجتماعية على التعايش مع واقعها الجديد، نحن أمام مجتمع يتغيّر سريعًا، وطبقات تُعاد صياغتها بالكامل… وكل ذلك يحدث أسرع من قدرة الناس على التأقلم".

التحولات الاقتصادية في مصر

وقال الدكتور على الإدريسي الخبير الاقتصادي، إن التحولات الاقتصادية في مصر خلال السنوات الأخيرة بسبب عديد من القرارات الاقتصادية و الصدمات المتتالية، تشير إلى أن الطبقة الوسطى تواجه ضغوطًا متزايدة أدت إلى انكماش حجمها وتراجع قدرتها الشرائية. 

هل اختفت الطبقة الوسطى في مصر
هل اختفت الطبقة الوسطى في مصر

وأضاف الإدريسي في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، مع الارتفاع المستمر في الأسعار، وتآكل قيمة الأجور بفعل موجات التضخم، واتساع الفجوة بين تكاليف المعيشة والدخول الحقيقية، وجد جزء من أبناء الطبقة الوسطى نفسه ينزلق نحو الفئات الأقل دخلًا، بينما يتجه جزء أقل إلى الصعود نحو الشريحة العليا بدعم من الاستثمار أو مصادر دخل خارجية.

إعادة توزيع قسري

وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن هذه الحركة غير المتوازنة أدت إلى ما يشبه “إعادة توزيع قسري” داخل المجتمع، لكنها تحدث في اتجاهات لا تخدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

وتابع: يذهب الجزء الأكبر من الطبقة الوسطى المتراجعة إلى ما يمكن وصفه بالفئة “الهشة”، وهي فئة مازالت تعمل وتنتج، لكنها عاجزة عن الحفاظ على نمط الحياة السابق أو الادخار أو الاستثمار في التعليم والصحة، ما يجعلها أكثر عرضة للصدمات، أما الشريحة القليلة التي ترتقي إلى الطبقة الأعلى فغالبًا ما تستفيد من أنشطة مرتبطة بالاستثمار العقاري أو التحويلات أو فرص الأعمال التي لا تتاح للغالبية.

هل اختفت الطبقة الوسطى في مصر
هل اختفت الطبقة الوسطى في مصر

الطبقة الوسطى هي المحرك الأساسي للاستهلاك المحلي

وأكد الإدريسي، أن تقلص الطبقة الوسطى يترك آثارًا عميقة على الاقتصاد، فالطبقة الوسطى هي المحرك الأساسي للاستهلاك المحلي، ومن دونها تتراجع قدرة السوق الداخلية على توليد الطلب، ما يضعف قدرة الشركات على التوسع، ويبطئ النشاط الإنتاجي، ويؤجل قرارات الاستثمار. 

كما أن اختفاء مساحة الأمان الاقتصادي لدى هذه الطبقة يقلل من القدرة على الادخار، وبالتالي يضعف منظومة التمويل المحلية ويزيد الاعتماد على التمويل الخارجي. والأهم أن انحسار الطبقة الوسطى يضعف الدور الاجتماعي الذي تلعبه في تحقيق التوازن بين الطبقات، ما قد يزيد التوترات الاقتصادية ويؤثر على الاستقرار العام.

تم نسخ الرابط