شرك الأطفال أحدث افتراءات التيار السلفي على الصوفية.. أزهري يرد (خاص)
وسط الهجوم السلفي على الصوفية، انتشرت في الآونة الأخيرة أصوات متعجِّلة، تُلقي بالتكفير جزافًا، وتتهم أطفالًا صغارًا بالشرك؛ لأنهم قبَّلوا ضريحًا، أو وقفوا أمام مقامٍ وقفة احترام، وهذه -في ميزان العلم والشرع- مجازفة تُسيء إلى الدين قبل أن تُسيء إلى الناس بحسب علماء الأزهر.
شرك الأطفال بين الهجوم السلفي والرد الشرعي
البداية بتصدير مجموعة من السلفيين لصورة طفلة تقبل مقصورة ضريح أثناء زيارة لأبيها تحت عنوان: «شرك الأطفال»، مذيلة بقول لقمان عليه السلام لابنه: «يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)».
وقال الشيخ أحمد السيد شقرة الواعظ العام بمنطقة الدقهلية الأزهرية ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إنَّ الأزهر الشريف بما يُمثله من منهج وسطي ممتد عبر القرون، يُقَرِّر قاعدةً محكمة: «لا يُكَفَّر مسلمٌ بظَنٍّ ولا بشُبهة، ولا بحركةٍ لا يفهم صاحبُها معناها».
وأوضح في تصريحات خاصة لـ «نيوز رووم» أن الأطفال -بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة- غيرُ مكلَّفين، لا يُسألون عن النيات، ولا تُقام عليهم أحكام المقاصد؛ إذ المقاصد محلُّها القلب، وقلوب الأطفال لم تزل نديةً طاهرة، فكيف يستقيم عقلًا وشرعًا أن يُنسب طفلٌ إلى الشرك، وهو بعدُ لم يفقه معنى العبادة ولا التوحيد؟!
حكم تقبيل الضريح والتبرك بالصالحين
وأضاف: ثم إن تقبيل الأضرحة نفسه والتوسل والتبرك بالصالحين ليس شركًا ولا كفرًا، بل هو تعظيمٌ لمقام الصالحين، وإظهارُ محبةٍ لا تتجاوز حدود العقيدة، ما دامت القلوب معلَّقةً بالله وحده، بل هو مُستحب عند جماهير الأمة، وقد نُقل هذا عن أئمتنا وعلمائنا من أئمة المذاهب؛ كالإمام مالك، وسيدنا الإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وأصحابهم؛ فمن الحنفية: البدر العيني، والكمال الهمام، والملا علي القاري، وخاتمة المحققين الشيخ ابن عابدين، وغيرهم.
ومن المالكية: القاضي عياض، وعبدالحق الإشبيلي، وابن الأبار، والقرافي، وميارة، والزرقاني، وغيرهم.
ومن الشافعية: الماوردي، والبيهقي، والتقي والتاج السبكيان، وابن الجزري، وغيرهم. ومن الحنابلة: ابن قدامة، وابن عقيل الحنبلي، وابن مفلح الحنبلي، وغيرُهم. وهو مذهب ابن حجر، والذهبي، والمحب الطبري، وابن الجوزي، والشوكاني وغيرهم من أهل العلم والديانة.
محبة الصالحين ليست شركًا
وتساءل: كيف يتحوَّل فعلٌ مختلفٌ فيه بين العلماء إلى تهمةٍ بالشرك الأكبر؟!، مشددا على أن الخطر الحقيقي ليس في طفلٍ يُعبِّر عن محبته بعفوية، بل في خطابٍ متسرِّع يوزِّع صكوك الإيمان والكفر، ويشوِّه رحابة الإسلام، ويزرع الخوف في نفوس الناس من دينٍ جاء ليُؤلِّف لا ليفرِّق، ويهدي لا ليُضلل.
وقال: نحن نذكِّر هؤلاء المتعجلين بقول أئمة الإسلام والمسلمين: "الخطأُ في العفو خيرٌ من الخطأ في العقوبة"، فكيف إذا كانت العقوبةُ رميًا بالكفر؟!، منبها: ليعلم الجميع أن حماية العقيدة مسؤوليةٌ كبرى يحملها العلماء الرَّاسخون، الذين يجمعون بين النصوص ومقاصدِها، وبين ظاهر الشريعة وروحِها، وأن الأزهر الشريف سيظل حصن الوسطية، ورقيبًا على غوائل التكفير، لا يسمح بأن تُدنَّس ساحة الدين بتهوُّرٍ أو جهلٍ.
واختتم بالقول: الأطفال زهورُ الأمة، ولا يجوز أن نُطِلَّ عليهم بوجه التكفير، بل بوجه الرحمة والتربية والتعليم. والإسلام الذي علَّمنا أن «الرِّفْق ما كان في شيء إلا زانَه» لن يرضى بأن يُرمى صغيرٌ بالشرك، ولا أن تتحول محبةُ الصالحين إلى سلاحٍ يُشهر في وجه المجتمع. ونُذكِّر المسلمين أن اختلافَ الرأي لا ينبغي أن يَصنعَ بينهم فُرقةً أو شقاقًا؛ فجمعُ الكلمة، ولمُّ الشمل أوجبُ في الشَّرع، وأَعلى قدرًا في ميزان الله".


