على رأسهم عبد الفتاح السيسي
«تحالف الرافضين».. هؤلاء الزعماء عارضوا ترامب علنًا

اكتمل تحالف الرافضين من زعماء العالم على أرض الكنانة بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومشاركة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في قمة ثلاثية حول الأوضاع في غزة، يمكننا القول بأن الزعماء الثلاث يشكلون تحالف الرافضين لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول العديد من القضايا على رأسها "صفقة القرن" وتهجير أهالي غزة من القطاع، ونهج ترامب الأحادي فيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية.
تحالف الرافضين لسياسات ترامب
كان الرئيس المصري من أوائل الزعماء الذين عارضوا ترامب، علنًا رافضًا فكرة تهجير الفلسطينيين واستقبالهم في أرض سيناء وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأمن القومي المصري، فيما تتضامن عاهل الأردن مع الرئيس المصري في دفاعه عن حق تقرير المصير للفلسطينيين.
في غضون ذلك، انضم ماكرون، إلى تحالف الرافضين لسياسة ترامب في عدد من الملفات على رأسها انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ والنهج الأحادي فيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية، علاوة على معارضته للسياسة الأمريكية بالملف النووي الإيراني.
ومؤخرًا، انضم إلى قائمة الزعماء، عملاق التكنولوجيا إيلون ماسك، والذي كان الداعم الأكبر لترامب، خلال حملته الانتخابية قبل تنصيبه للمرة الثانية بالبيت الأبيض، إذ هاجم فرض الرسوم الجمركية التي دخلت حيز التنفيذ، وكان ماسك، أبرز الخاسرين من تداعياتها الاقتصادية.

صفقة القرن وموقف الرئيس المصري
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، على إثر أحداث السابع من أكتوبر 2023، تكررت الدعوات والضغوط – سواء الصريحة أو غير المعلنة – لتنفيذ ما يُعرف بـ "صفقة القرن" والتي تهدف إلى تهجير سكان القطاع ودفعهم للنزوح باتجاه الحدود المصرية، وتحديدًا إلى شبه جزيرة سيناء. وفي مواجهة هذه الطروحات، جاء موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حاسمًا وواضحًا برفض أي مشروع يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم، مشددًا على أن سيناء لن تكون بديلًا لغزة، وأن مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب أراضيها أو أمنها القومي.
تبلور الموقف المصري في الردود الصريحة والقاطعة على تصريحات ترامب، الذي تجرأ وأعلن صراحة بأنه على مصر استقبال أهل القطاع في سيناء بذريعة إعادة إعمار القطاع وتحويله إلى "ريفييرا الشرق" على حد تعبيره. وهو ما قُبل برفض شديد من الرئاسة المصرية إذ أعلن السيسي، صراحة بأن هذا خط أحمر بالنسبة إلى السياسة المصرية الراسخة بالدفاع عن الآراضي المصري، ورفض تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر، حتى وإن انهالت العروض الأمريكية بالتسهيلات الاقتصادية وغيرها من الأوهام التي تتبناها الإدارة الأمريكية – الإسرائيلية.
كان موقف الرئيس المصري في التعامل مع هذه التصورات حاسمًا إذ اعتبرها تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، ومحاولة مكشوفة لتفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها، والمتمثل في حق الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير على أراضيهم المحتلة. وقد أكد الرئيس المصري، في أكثر من خطاب علني، أن مصر ترفض رفضًا قاطعًا التهجير القسري للفلسطينيين، مشيرًا إلى أن نقل الأزمة من داخل الأراضي الفلسطينية إلى الخارج هو أمر مرفوض تمامًا. وفي هذا السياق، لعبت القاهرة دورًا دبلوماسيًا فاعلًا في توصيل موقفها إلى الأطراف الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما كثفت جهودها في دعم الوساطات وفتح المعابر لأغراض إنسانية، دون السماح بانزلاق الأمور نحو تحويل سيناء إلى ملاذ دائم للفلسطينيين.
ولا يعكس موقف السيسي من رفض استقبال سكان غزة في سيناء اعتبارات أمنية وسيادية فقط، بل أيضًا التزامًا سياسيًا ثابتًا بدعم القضية الفلسطينية في إطارها الوطني الحقيقي، ورفض كل المحاولات لتذويبها في مشاريع "تسوية اقتصادية" ظاهرها التنمية وباطنها التصفية.

العاهل الأردني ضد صفقة القرن
هذا الرفض المصري يتقاطع أيضًا مع موقف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي شدد بدوره على أن أي محاولة لفرض التهجير ستؤدي إلى "انفجار كبير" في المنطقة، في إشارة إلى خطورة العبث بالديمغرافيا السياسية للقضية الفلسطينية. وبالرغم من اتسام موقف العاهل الاردني بالحذر الشديد في البداية، إلا أنه سرعان ما تطور إلى موقف واضح وصلب في معارضة جوهر الخطة، وخاصة خلال زيارته إلى البيت الأبيض في فبراير 2025، إذ حاول ترامب، إحراج العاهل الأردني واستدراجه إلى موافقة شفهية على خطة تهجير الفلسطينيين، إلا أن الملك عبدالله الثاني، أعرب عن رفض الأردن القاطع لفكرة توطين الفلسطينيين على أراضيه، مؤكدًا أن هذا الأمر مرفوض تمامًا. كما شدد على أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى الأردن ستُعتبر تجاوزًا لخطوطه الحمراء.
ولم يكن هذا الموقف الأردني بجديد، ففي زيارة رسمية إلى واشنطن في يونيو 2018، شدد ملك الأردن على رفض بلاده لصفقة القرن، خاصة ما تعلق منها بمستقبل القدس واللاجئين. وأوضح بشكل حاسمًا الثوابت الأردنية لاسيما التمسك بحل الدولتين ورفض أي تسوية تتجاوز حقوق الفلسطينيين التاريخية. كما نددت الأردن – آنذاك – بتصريحات ترامب، بأن "القدس خرجت من طاولة التفاوض"، واعتبر الأردن تلك التصريحات تجاوزًا خطيرًا وخطوة أحادية تمس الوضع التاريخي والقانوني للمدينة المقدسة، حيث يحتفظ الأردن بدور خاص كوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

ماكرون ينتقد الحليف الأمريكي
تميز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بمواقف صريحة في معارضة العديد من سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، دون باقي الزعماء الأوروبيين إذ أعرب عن رفضه لانسحاب ترامب، من اتفاقية باريس للمناخ، معتبرًا ذلك تهديدًا للجهود العالمية في مواجهة التغير المناخي. كما عارض بشدة انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، مؤكدًا على أهمية التزام الدول الكبرى بتعهداتها الدولية. وفي خطاباته، شدد ماكرون على الحاجة إلى نظام عالمي قائم على التعددية، في تعارض واضح مع نهج ترامب الأحادي.
أبدى الرئيس الفرنسي أيضًا موقفًا مغايرًا تمامًا للنهج الذي تبناه الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية. ففي الوقت الذي حاول فيه ترامب، التقليل من أهمية دعم أوكرانيا ووجه انتقادات لحلف الناتو، كان ماكرون من أبرز الأصوات الأوروبية الداعية إلى دعم كييف سياسيًا وعسكريًا في مواجهة الغزو الروسي. واعتبر ماكرون، أن الحرب لا تمثل فقط اعتداءً على أوكرانيا، بل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي والنظام الدولي القائم على احترام السيادة. كما عبر في أكثر من مناسبة عن رفضه لتصريحات ترامب، التي حملت نبرة متساهلة تجاه موسكو، مؤكدًا أن التردد الغربي في دعم أوكرانيا قد يفتح الباب أمام توسع روسي أخطر.
كان ماكرون، من أوائل الزعماء الأوروبيين الذين طرحوا بشكل واضح فكرة إعادة التفكير في السيادة الدفاعية الأوروبية، خاصة في ظل ما رآه من تصاعد التهديد الروسي وتراجع المظلة الأمنية الأمريكية التقليدية، لا سيما خلال إدارة ترامب. وفي ضوء التهديدات المتزايدة من روسيا، خاصة بعد غزوها لأوكرانيا، دعا الرئيس الفرنسي إلى ضرورة تعزيز "السيادة الاستراتيجية الأوروبية"، بما يشمل تطوير قدرات الدفاع الذاتي والنووي للقارة الأوروبية، بعيدًا عن الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة أو الناتو. ويرى ماكرون، أن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة لم يعد ضمانة أكيدة، خاصة في ظل تنامي الخطاب الانعزالي الأمريكي، لذلك لا بد لأوروبا من أن تكون قادرة على حماية نفسها، سياسيًا وعسكريًا، بما يشمل أدوات الردع القصوى كالسلاح النووي.

إيلون ماسك
رغم التباين الظاهر بين ترامب وعملاق التكنولوجيا، في عدد من الملفات، إلا أن العلاقة بين الرجلين ظلت محكومة بمنطق المصالح المتبادلة والبراغماتية السياسية. ففي بداية عهد ترامب، شارك ماسك، في مجالس استشارية رئاسية وأبدى انفتاحًا على التعاون مع الإدارة الجديدة، قبل أن ينسحب لاحقًا احتجاجًا على انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، وهو موقف أظهر التباين العميق في رؤى الطرفين حول ملف التغير المناخي.
ولكن ذلك لم يقطع جسور العلاقة تمامًا، فترامب واصل الإشادة بماسك باعتباره رمزًا للنجاح الأمريكي في التكنولوجيا والفضاء، خاصة بعد إنجازات "تسلا" و"سبيس إكس".
وبعد فترة قصيرة من انسحاب ماسك، من إدارة ترامب، هاجمَ ماسك، الرئيس الأمريكي موجهًا انتقادات واضحة لسياساته التجارية، خاصة فرض الرسوم الجمركية على الصين التي اعتبرها ضارة بالتصنيع الأمريكي وتحديدًا بصناعة السيارات الكهربائية التي تعتمد على سلاسل توريد عالمية. ودعا ماسك، إلى نمط من الانفتاح الاقتصادي والتعاون الدولي يناقض الرؤية الحمائية التي دافعت عنها إدارة ترامب.