عاجل

يحكي التراث الشعبي أن رجلًا ارتكب فاحشة، ولما طارده أهل القرية هاربًا من ذنبه، خطف في طريقه قبضة عدس من زرعٍ مرّ به. ولما دخل بين البيوت مطاردًا، ظنّ الناس أن الجري ده كله علشان شوية العدس… فاستغربوا واستنكروا، وبدأوا يحكموا على مشهد ناقص من غير ما يعرفوا أصله.
وهكذا ضاعت الحقيقة… في أول زاوية شافوها.

النهارده، الحكاية القديمة بتتكرر بس بلقطة HD وموبايل في كل إيد.
مشاهد متقطعة، نصف حقيقة، موقف مقتول في لحظة تصوير… وبعدها الدنيا كلها تجري ورا “العدس” اللي في الصورة.

واللي حصل آخر مرة مع الفنان الكبير محمد صبحي نموذج واضح.
تصرفه مع السائق خطأ… ومفيش خلاف على كده.
لكن الغريب مش الخطأ… الغريب هو الناس اللي نسيت إن قدامهم إنسان، وافتكرت إن أهم حاجة في اللحظة إنهم يفتحوا الكاميرا ويصوّروا.

حد فكر إن الراجل ده كبير في السن؟
حد سأل نفسه إن ممكن يكون تعبان؟ موجوع؟ مش قادر يقف؟
حد خاف على صورته، على اسمه، على تاريخه اللي ممكن يتكسر في ثانية بسبب زاوية كاميرا؟

اللي كان بيصوّر ما فكرش…
ولا سأل…
ولا حتى توقّف لحظة يشوف الإنسان قبل اللقطة.

بقينا أسرع ناس ترفع الموبايل… وأبطأ ناس ترفع ضميرها.
بقينا ندوّر على “فيروسيّة” اللقطة قبل ما ندوّر على “إنسانية” الموقف.
والأسوأ… إن حكمنا على المشهد وكأنه الحقيقة الوحيدة، رغم إنه مجرد لقطة مبتورة خرجت من إيد شخص قرر إن التريند أهم من الرحمة.

محمد صبحي مش فوق النقد…
لكننا إحنا كمان مش فوق المراجعة.
وعمرها ما كانت الشهامة إننا نفضح حد في لحظة ضعف. ولا كانت الشهامة إننا نحكم على إنسان مريض أو مرهق أو مرتبك من لقطة مش كاملة.

ولو أهل القرية زمان كانوا عرفوا القصة، كانوا هيعرفوا إن اللي بيجري قدامهم مش هارب من “عدس”… ده هارب من ذنبه.
وزيهم إحنا النهارده محتاجين نفكر قبل ما نصوّر، ونفهم قبل ما نهاجم.
إحنا فعلًا بندور على الحقيقة؟
ولا بس بنتسابق نكبّر الصورة اللي اتصورت؟
إحنا بنجري ورا الصح…
ولا ورا شوية عدس؟

تم نسخ الرابط