من الصعب اليوم النظر إلى أبو محمد الجولاني دون أن نشعر بأننا أمام شخصية خطيرة تُعيد تشكيل نفسها كل بضعة أشهر ؛ مرةً كارهابي ومرة كقائد فصيل عسكري ومرة كزعيم “إدارة مدنية”، ومرة كوجه سياسي يحاول أن يقنع العالم بأنه بات جزءًا من الحل لا المشكلة !! لكن أكثر ما يثير الريبة هو أنّ الجولاني يبدو مستعدًا دائمًا لاستخدام أي ورقة—أيًا كانت حساسيتها—ليُبرهن لنفسه وللآخرين أنه لاعب محوري لا يمكن تجاوز دوره !!
ومع عودة الحديث عن ملف إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الشهير الذي أُعدم في دمشق بعدما وصل الي اعلي المراتب في المجتمع السوري ويقال انه كان علي وشك ان يصبح وزيرا للدفاع بسوريا قبل كشفه !!
يقفز اسم الجولاني مجددًا إلى الواجهة ليسلّم مقتنيات ورفات كوهين لإسرائيل بمنتهي السهولة !! ؛ ان مجرد تداول الفكرة يكشف شيئًا مهمًا يكمن في ان الجولاني صار جزءًا من كل ملف مشبوه في سوريا وكأنّ حضوره أصبح مرادفًا للفوضى والتلاعب والصفقات المجهولة والمريبة .
الحقيقة أن الجولاني خلال السنوات الأخيرة يتصرف كما لو كان في سباق لإعادة تلميع صورته بأي طريقة ؛ يُغير خطابه ويغسل يداه المتورطة في قتل الأبرياء ويظهر أمام الإعلام بلباس جديد وكينونة جديدة ويقدّم نفسه كحاكم وسطي عقلاني ومتزن !! لكن خلف هذه الواجهة يبقى الجولاني وجه صعد من قلب الارهاب والفوضى واستفاد من تغيّر موازين القوى من خلال قوة خارجية خارقة قدمته منذ سنوات قريبة كارهابي مطلوب للعدالة ومن ثم استقبلته كرئيس جمهورية !!
ان الجولاني ليس غريبًا عن الصفقات الرمادية ولا عن شبكات التفاوض السرية سواء مع فصائل خصمة أو جهات إقليمية متناقضة ومن يعرف مسار الرجل يدرك أنه مستعد لتحويل أي ورقة سياسية إلى سلّم يصعد به خطوة جديدة في مشروعه السري في سوريا .
ومهما كانت حقيقة دوره بسوريا او علاقته بملف إيلي كوهين فإن تورطه يكشف خللًا كبيراً فكيف لوجه فصيل ارهابي مسلّح يفرض حكمه بالقوة مرشحًا ليكون وسيطًا في ملفات حساسة !؟ وكيف وصلنا إلى لحظة يصبح فيها رجل لّقَب بنفسه بالجولاني - كناية علي إيمانه بسورية الجولان المحتلة - ان يسلم رفات ومقتنيات جاسوس لكيان هو نفسه المحتل للجولان بهذه البساطة والسهولة المفرطة !؟ عجبت لكَ يا زمن !
في النهاية يبقى الجولاني نموذجًا لوجه لا يتوقف بحثاً عن دور أكبر من حجمه الضئيل في مرحلة فقدت بوصلتها ؛ رجل يتقن ركوب كافة الموجات بأداء متميز يصل الي حد الاتقان ليأتي السؤال الأخطر : هل الجولاني صناعة اسرائيلية علي طريقة ( يهود الدونمة ) التي فشلت في الوقت المناسب بكشف حقيقة إيلي كوهين الجاسوس الاسرائيلي الأشهر علي الإطلاق ؟!